شدد الخطاب الملكي الكريم على أن النهج التنموي في المملكة يستهدف صنع نهضة شاملة ومستدامة، محورها وهدفها الإنسان. حيث وفرت المملكة كل الممكنات التي تعزز الكرامة للمواطن وتعمل على تحقيق أقصى المنافع له، وتصون حياته وتحفظ له سبل العيش الكريم.. تتجسد أهمية الخطاب الملكي السنوي تحت قبة مجلس الشورى من كل عام لما يُمثله كأهم خطاب للدولة؛ يرسم صورة أكثر اكتمالاً لسياسة المملكة الداخلية والخارجية بمبدأ وأساس للحكم، تتجدد فيه إرادتنا وطموحنا وعزمنا وثقتنا واعتمادنا على ذاتنا لمواصلة مسيرة الإصلاحات والإنجازات والعملية التنموية، ويعكس مكانتنا العربية والإسلامية والعالمية ومسؤولياتنا التاريخية والتزامنا بقضايا المنطقة والأمة والإنسانية جمعاء. وكما هو الخطاب السنوي الذي يصدح به ملك العدل والحزم والعزم والإنسانية تحت قبة الشورى مدوياً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ومضامين ودلالات، وعلى كافة المستويات والسياسات الداخلية والخارجية على سواء، أتى في هذا العام في ظروف استثنائية واجهتها المملكة بكل قوة واقتدار من صعوبات وتحديات غير مسبوقة، ورغم ذلك حققت الدولة نجاحات وانجازات عالمية غير مسبوقة. جاءت مضامين خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- السنوي في أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، مؤكدة على سياسات مفصلية للدولة داخلياً وخارجياً، وموضحاً أبرز الأسس والتطلعات التي ستعمل عليها المملكة نحو حضورها محلياً ودولياً وكذلك في أولوياتها لبناء الإنسان، وأن منهج الدولة كان ومايزال الكتاب والسنة، وعلى مبدأ الشورى، وبما شرّف المملكة فيه من خدمة الحرمين الشريفين، وما امتازت به الدولة من السياسة المتزنة المستقرة داخلياً والمتفاعلة دولياً، وسعيها وعملها الحثيث والمتواصل لتحقيق رؤية المستقبل في واقع وحاضر اليوم، وتطلعاتها المستمرة لمستقبل يسابق الزمن ويواكب التطورات التنموية العالمية، مع الحرص والاهتمام بجميع المبادرات الإنسانية، والعمل الدؤوب لتحقيق الأمن والأمان والسلام في جميع دول العالم. أكّد الخطاب الملكي على الاستمرارية في تنفيذ رؤية المملكة 2030 كأساس مهم؛ وبالمضي قدماً في خطط رؤية 2030 في المرحلة الثانية منها، حيث ستستهدف بإذن الله جملة من الأهداف مثل تطوير القطاعات الواعدة والجديدة وتمكين المواطن وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر، ومضاعفة حصة الإنتاج المحلي الإجمالي غير النفطي بثلاثة أضعاف، ودعم إستراتيجية الابتعاث والإستراتيجيات الوطنية الأخرى التي أُعلن عنها. كذلك دعم المشاريع الإبداعية بطابع سعودي أصيل حيث أكد الخطاب على توجه المملكة في تبني المشاريع الإبداعية الفريدة وفقاً لرؤية ولي العهد بطابع سعودي مثل العلا والدرعية ونيوم والقدية مؤكداً أنها وتصنع في مجملها بصمة تاريخية ثقافية اجتماعية، وتسهم في تعزيز وحماية تاريخ التراث السعودي الحضاري، لتنعكس على جودة حياة المواطن. أما المواطن والإنسان فكان في قلب ملك الإنسانية وهو محور التنمية الوطنية وهدفها الأساس؛ حيث شدد الخطاب الملكي الكريم على أن النهج التنموي في المملكة يستهدف صنع نهضة شاملة ومستدامة، محورها وهدفها الإنسان. حيث وفرت المملكة كل الممكنات التي تعزز الكرامة للمواطن وتعمل على تحقيق أقصى المنافع له، وتصون حياته وتحفظ له سبل العيش الكريم، وتهيئة الحماية والرعاية الاجتماعية، ودعم أنظمة التطوير والاستقرار الاجتماعي له. كما أكد الخطاب على مواصلة التقدم في تحقيق الريادة العالمية حيث أبدى الخطاب الملكي اعتزازه بالمنجزات المتسارعة وتحقيق مراكز سبّاقة، مثل التقدم العالمي في الصادرات غير النفطية، وأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصادات العالم، وصولاً لإطلاق برنامج المملكة لرواد الفضاء عبر رؤية المملكة 2030م، وانتخاب المملكة عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومجلس (الإيكاو)، ليترجم وما تحظى به من تقدير على المستوى العالمي. ولأنه وطن الأمن فلا غرابة أن يحظى الأمن وبمفهومه الشامل بمكانته العظمى حيث لا تنمية بلا أمن، فقد أكد الخطاب الملكي الكريم على أن من أهم المستهدفات التي توليها الدولة الاهتمام والمتابعة صون الأمن وتعزيزه بمفهومه الشامل، لتوفير أسباب الطمأنينة والأمان، لينعم به كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، وتعهد الدولة بالحرص على دعم الخطط والبرامج التي تسهم بإيجاد الحلول للتحديات أمامها. أما الحديث عن أهمية شراكة المرأة السعودية ومكانتها الكبيرة لدى وطنها وقيادتها فيتضح من اهتمام الخطاب الملكي بها حيث أكد على ما تمتاز به المرأة السعودية من اهتمام القيادة ودعم تمكينها بكل ما أوتيت من قوة واقتدار لتؤدي دورها في التنمية والبناء والتطوير، من خلال تطوير قدراتها وبلورة دورها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وصولاً إلى تسنم مراكز قيادية ورفيعة في الجهات الحكومية والخاصة والمنظمات الدولية. وتضمن الخطاب كذلك ضمان مناعة ركائز الطاقة حيث شدد الخطاب على سعي المملكة نحو ضمان مناعة ركائز عالم الطاقة ودعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، ومشيراً إلى أهمية اكتشاف عدد من حقول الغاز الطبيعي في بعض مناطق المملكة بفضل من الله بما يسهم في التنوع الاقتصادي والأثر الماليّ الإيجابي على المدى الطويل بإذن الله. وتناول الخطاب الملكي أيضاً مواجهة التحديات البيئية والتغير المناخي وهو ما أكده الخطاب من حيث تسارع خطوات المملكة في مواجهة التحديات البيئية وفي مقدمتها التغير المناخي، وتبني حزمة من المبادرات التي ستسهم -بمشيئة الله- في تقليل الانبعاثات الكربونية وفق رؤية 2030م، ومستشهداً بمبادرات كفاءة الطاقة ومشروع الهيدروجين الأخضر والسعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر. ومن أهم مضامين الخطاب الملكي ما تطرّق إليه حول عدو التنمية الأول! ألا وهو الفساد من حيث إنه ظاهرة لها تأثير مباشر على اقتصاد الدولة باعتبارها تعرقل عجلة التنمية، إضافة إلى كونها تؤدي إلى اختلال التركيبة الاجتماعية للمجتمع، كما تؤدي إلى اعتياد الأفراد لسلوكيات يلفظها كل مجتمع ينشد المحافظة على ما بني عليه من قيم ومبادئ، ناهيك عن تأثيرها على الحياة السياسية حيث تختل قواعد المكونات السياسية للدول من خلال بروز أنظمة وإجراءات غير قانونية معتمدة على سيطرة رأس المال ونشر الرشوة والواسطة ومخالفة الأنظمة. فقد شدد الخطاب الملكي على المضي قدماً في مكافحة الفساد مؤكداً على أن ذلك يتم عبر المستويين المحلي والدولي، إذ لا يمكن مكافحته دون تعاون دولي وثيق، وأن المملكة تعمل على ذلك ضمن الاتفاقية العربية واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، لدرء مخاطره وآثاره المدمرة. كما تضمن الخطاب الملكي قطاع السياحة حيث أشار على أن المملكة دعمت قطاع السياحة، ودعت الدول المانحة لتمويل الصندوق الدولي المخصص لدعم قطاع السياحة؛ حيث حققت المملكة وفقاً لمؤشر TTDI المركز 33 متقدمة 10 مراكز دفعة واحدة عن العام 2019م. وجاء الحديث عن متانة اقتصاد المملكة في الخطاب الملكي تزامناً مع الإعلان عن اقتصاد المملكة عن الأسرع نمواً من بين مجموعة دول العشرين G20 للعامين 2022م و 2023م وكهدف رئيس للرؤية حيث أكد الخطاب الملكي على أن الإشادات الدولية بمتانة الاقتصاد السعودي تعكس جانباً من جهود الدولة وإصلاحاتها الاقتصادية من خلال رؤية المملكة 2030 نحو تحسين بيئة الأعمال وتبسيط القواعد التنظيمية، كما تعكس التقديرات الإيجابية لوكالات التصنيف الائتماني عن اقتصاد المملكة، فاعلية الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة في إطار برنامج الاستدامة المالية. ونظراً لما تمثله المملكة ومكانتها من منطلق نهجها السياسي المتزن والفاعل حيث بين الخطاب الملكي أن مكانة المملكة ودورها المحوري على الصعيدين السياسي والاقتصادي وموقعها الإستراتيجي، جعلتها دائماً في قلب العالم، مواكبةً لمستجداته، ومُسهِمةً في مواجهة تحدياته، ومستثمرةً لفرصه ومجالاته؛ بما يحقق مصالحها ومصالح أشقائها وأصدقائها ويخدم الإنسانية جمعاء. وكان للقضايا العربية أولوية من مضامين الخطاب الملكي خاصة ومواقف المملكة الراسخة والثابتة تجاهها حيث أبرز الخطاب الملكي ثبات الموقف السياسي للمملكة الذي يعطي الأولوية للحلول الإنسانية والوقوف مع القضايا العربية مؤكداً ثبات مساندة القضية الفلسطينية، ودعم أولوية الحل السياسي الشامل في اليمن وفق قرارات الأممالمتحدة ومبادرة المملكة، وكذلك أمن العراق واستقراره، ودعم الشعب السوداني الشقيق في الحفاظ على تماسكه واستقرار دولته، وحفظ سيادة سوريا واستقرارها، ومشدداً على وقف إطلاق النار في لبنان لتجاوز أزمته وأن يقف اللبنانيون بحزم لوقف الأنشطة الإرهابية، وتهريب المخدرات، وكذلك تنفيذ القرار الأممي لحفظ استقرار ليبيا، واستمرار المساعدات لأفغانستان لمنع تحولها لمنطلق للعمليات الإرهابية أو مقراً للإرهابيين. كانت تلك المضامين السامية للخطاب الملكي وما أكدت عليه من سياسة المملكة الداخلية والخارجية وأبانت عن منهاج الدولة العصرية التي جعلت رؤيتها حاضراً وواقعاً معاشاً وتستشرف المستقبل الزاهر وتسابق فيه الزمن والعالم مع الاعتزاز بهويتها الوطنية وأصالتها المعاصرة وبصورة يتجاوز فيه هذا الخطاب الحدود السعودية وحدود المنطقة حاملاً رسالة السلام وداعياً وراعياً لها ليرسي دعائم الأمن والأمان والاستقرار للمنطقة والعالم بأسره.