شكل الخطاب الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس الأول (الأربعاء) 29 ديسمبر2021م، -عبر الاتصال المرئي- لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، بوصلة توجه سياسات المملكة على مختلف الأصعدة داخليًا وإقليميًا ودوليًا، وبيانًا بالمنجزات والنهضة المتحققة والمستهدفات المنتظر بلوغها خلال المرحلة القادمة، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة وتحسين جودة الحياة لمواطنيها والمقيمين في مملكة الإنسانية. ويعد هذا الخطاب الملكي مناسبة وطنية هامة تتضح من خلالها مواقف المملكة تجاه أهم القضايا الإقليمية والدولية، حيث تضمن توجيهاته ورؤيته السديدة -حفظه الله- تجاه مختلف القضايا، وقد أكد خطاب خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- أمام مجلس الشورى؛ أن المملكة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ويمارس ملوكها الحكم وفق مبدأ الشورى عملًا بقول الله تعالى {وشاورهم في الأمر}، وأن الدولة مستمرة في هذا النهج، وعازمة على تعزيزه لما فيه خدمة الدين والمواطنين والمسلمين. رؤية 2030 ونوه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، إلى الدور الكبير والمأمول من رؤية المملكة 2030، مؤكداً أن بدء المرحلة الثانية من رؤية المملكة 2030 يدفع عجلة الإنجاز، ويواصل الإصلاحات لازدهار الوطن، وضمان مستقبل أبنائه، بإيجاد اقتصاد متين متنوع، يواجه المتغيرات العالمية. وقال: "لقد انطلقت رؤية المملكة 2030 من أجل وطن مزدهر يتحقق فيه ضمان مستقبل أبنائنا وبناتنا، بتسخير منظومة متكاملة من البرامج، لرفع مستوى الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وبنية تحتية، وإيجاد مجالات وافرة من فرص العمل، وتنويع الاقتصاد ليتمتع بالصلابة والمتانة في مواجهة المتغيرات عالميا، لتحتل المملكة مكانتها اللائقة إقليميًا وعالميًا، ومن أجل الوصول إلى هذا المستوى اللائق ببلادنا فقد عملت الحكومة على تطوير الجهاز الإداري للدولة بحيث يشمل جميع المؤسسات والخدمات والسياسات الحكومية، ما يسهم في الارتقاء بالقدرات التنافسية للاقتصاد الوطني، والارتقاء بجودة الخدمات ورفع كفاءتها، ليكون التميز في الأداء هو أساس تقويم مستوى كفاءة الأجهزة العاملة في البلاد". وأضاف -أيده الله-: "لقد باركنا إطلاق ولي العهد لعديد من المشروعات، ذات الرؤية المستقبلية، التي تدعم أنظمتها، الاستدامة والازدهار، والابتكار، وقيادة الأعمال، ما يوفر فرص العمل ويحقق عوائد ضخمة للناتج المحلي. إستراتيجية الاستثمار وأكد أن الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، في 11 من أكتوبر الماضي تشكل أحد الروافد المهمة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وسيتم من خلالها ضخ استثمارات تفوق 12 تريليون ريال في الاقتصاد المحلي حتى عام 2030، ما بين مبادرات ومشروعات برنامج شريك، واستثمارات محلية، واستثمارات الشركات تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار. وسيحظى الاقتصاد الوطني بضخ نحو عشرة تريليونات ريال أخرى من الإنفاق الحكومي من خلال الميزانية العامة للدولة، وضخ ما يزيد على خمسة تريليونات ريال من الإنفاق الاستهلاكي، كما أعلن صندوق الاستثمارات العامة وفق حوكمته خطته الإستراتيجية التي تتضمن استهداف استثمارات في الاقتصاد المحلي بثلاثة تريليونات ريال حتى عام 2030، وهي استثمارات مهمة لتحقيق العوائد المستهدفة من الصندوق وينتج عنها دعم الاقتصاد، وخلق فرص لمنشآت القطاع الخاص الصغيرة والكبيرة، ويخلق مزيدا من الوظائف للمواطنات والمواطنين، ليصبح بذلك مجموع الإنفاق مقاربا ل27 تريليون ريال حتى عام 2030. وأشار الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، إلى أن الاقتصاد السعودي نجح في اجتياز الكثير من العقبات والتحديات التي واجهها العالم هذا العام، والعام الماضي بسبب الجائحة، وهذا ما أشار إليه صندوق النقد الدولي بتأكيد استمرار التعافي في اقتصاد المملكة، ما يعكس الدور البارز للإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي نفذت في إطار رؤية المملكة 2030. وأضاف تعد المشروعات الكبرى: "نيوم" و"ذا لاين" و"أمالا" تأكيدا على رؤية بلادنا للمستقبل، بنظمها الجديدة للاستدامة والازدهار والابتكار وريادة الأعمال، فالمفهوم الجديد للتنمية الحضرية في "ذا لاين" وهو جزء من "نيوم" يؤكد الجانب الإبداعي والعمل الدؤوب في هذه المدينة الاستثنائية، وستكون بيئة تنافسية، وستوفر 380 ألف فرصة عمل، وتضيف 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي بحلول عام 2030، كما ستشكل مدينة نيوم الصناعية "أوكساجون" خطوة أخرى ضمن مخطط نيوم الرئيس، مقدمة نموذجًا جديدًا لمراكز التصنيع المستقبلية، وفقا لاستراتيجية نيوم المتمثلة في إعادة تعريف الطريقة التي تعيش وتعمل بها البشرية، ملبية طموحاتنا في أن تكون المملكة من أبرز الدول في حماية البيئة، أما مشروع "أمالا" -وهو من المشروعات النوعية في البحر الأحمر- فيفتح نافذة استثمار جريئة في التكوين الطبيعي للمملكة وجغرافيتها، بمفهوم جديد للسياحة والصحة والعلاج، حيث يتوقع أن يوفر هذا المشروع 22 ألف فرصة عمل. السياسة الخارجية واشتمل خطاب الملك سلمان، حفظه الله، على مسارات واضحة تجاه السياسة الخارجية للمملكة تمحورت حول الآتي: القضية الفلسطينية وشدد خادم الحرمين الشريفين، أن القضية الفلسطينية كانت ولازالت هي قضية العرب والمسلمين المحورية، مشيراً إلى أنها «تأتي على رأس أولويات سياسة المملكة الخارجية، حيث لم تتوان المملكة أو تتأخر في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق لاستعادة حقوقه المشروعة، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية بحدود عام (1967م) وعاصمتها القدسالشرقية». التدخلات الإيرانية ولفت الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، إلى أن المملكة تتابع «بقلق بالغ سياسة النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة بما في ذلك إنشاء ودعم الميليشيات الطائفية والمسلحة والنشر الممنهج لقدراته العسكرية في دول المنطقة، وعدم تعاونه مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي وتطويره برامج الصواريخ الباليستية». وأضاف: «نتابع دعم النظام الإيراني لميليشيا الحوثي الإرهابية الذي يطيل أمد الحرب في اليمن ويفاقم الأزمة الإنسانية فيها، ويهدد أمن المملكة والمنطقة». الأزمة اليمنية وأكد الملك سلمان بن عبدالعزيز: "إن المملكة حريصة على أمن واستقرار اليمن والمنطقة، وتعمل على رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق، ودفع الأطراف كافة للقبول بالحلول السياسية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن ودرء التهديد عن المملكة والمنطقة. كما أنها تجدد التأكيد على مبادرة المملكة لإنهاء الصراع الدائر في اليمن، وتدعم الجهود الأممية والدولية للتوصل إلى حل سياسي، وفقا للمرجعيات الثلاث: "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216"، وقد ظهر جليا خطورة وصول الأسلحة والتقنيات المتطورة للميليشيات الحوثية الإرهابية، وذلك من خلال الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية ضد المنشآت الحيوية والمرافق المدنية في المملكة، وما زالت المملكة تدعو الحوثيين إلى أن يحتكموا لصوت الحكمة والعقل، وتقديم مصالح الشعب اليمني الكريم على سواها". كما شدد خادم الحرمين الشريفين في حديثه، على حرص المملكة ووقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، وحثّ جميع القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها في المقام الأول، داعياً إلى إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على الدولة. ونوه إلى دعم المملكة للحلول السياسية لتسوية الأزمات في سوريا وليبيا والسودان بما يحافظ على سيادة ووحدة وسلامة تلك البلدان الشقيقة ويحقق الأمن والاستقرار فيها وينهي معاناة شعوبها. أما على الساحة الدولية، فشدد الملك سلمان، حفظه الله،على أهمية استقرار وأمن أفغانستان، كي لا تكون ملاذًا للتنظيمات الإرهابية. مرجع وموجه ويعد هذا الخطاب السنوي موجهًا ومرجعًا لأعمال مجلس الشورى إذ يستنير به أعضاؤه ولجانه بمضامينه وتوجيهاته فيما يقوم به تحت القبة من دراسات ومناقشات للموضوعات التي تندرج ضمن صلاحياته واختصاصاته، سواءً في مناقشة أداء أجهزة الدولة، أو فيما يدرسه من أنظمة وتشريعات واتفاقيات ومذكرات تعاون، تسهم في الارتقاء بأداء أجهزة الدولة وتطوير البيئة التشريعية بما يواكب المستجدات ويدفع بالجهود التنموية». وجاء الخطاب في ظل تحولات وتطورات تنموية واقعية وملموسة تشهدها السعودية انطلاقاً من رؤيتها الطموحة 2030 التي رسمها ويقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، كما يتزامن مع ما تقوم به المملكة على المستوى الدولي من دور رائد وجهود مشهودة؛ لدفع النمو العالمي، وحماية البشرية من تبعات جائحة «كورونا»، وتحقيق السلام والنماء والرخاء لشعوب العالم، يضاف إلى ذلك جهود المملكة في الحفاظ على المناخ والبيئة، وحماية الأرض والطبيعة المتمثلة في مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» اللتين أطلقهما الأمير محمد بن سلمان. لحمة وطنية وعكس خطاب خادم الحرمين الشريفين اللحمة الوطنية القوية التي تربط القيادة بالشعب وتجسد ذلك في رسائل التحفيز والدعم التي تمثلت في مخاطبة المواطنين والمقيمين بتوجيه الشكر لهم على تجاوبهم للتعليمات والإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا في توقيت بالغ الأهمية، مع مواجهة العالم موجة جديدة من انتشار الوباء في ظل المتحور أوميكرون شديد العدوى، كما وجه رسالة شكر للعاملين في فرق مواجهة الجائحة على جهدهم الرئيس في التصدي للوباء، بالإضافة إلي رسالة شكر إلي الجنود السعوديين البواسل في جميع القطاعات وفي الحد الجنوبي، فهم العين الساهرة لحماية المملكة وصون أمنها واستقرارها، الذي يجعلها تمضي واثقة الخطى في طريق التنمية المستدامة والتحديث. طمأنة وفخر ختامًا تمثلت الرسالة الأساسية والرئيسة في خطاب خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- في طمأنة المواطنين بأن المملكة تسير بخطى ثابتة وواثقة في سبيل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة من أجل الحفاظ على المكتسبات التي تحققت وتضمن الرفاه والتقدم والازدهار ليس فقط للجيل الحالي وإنما للأجيال القادمة بعون الله تعالى، مما يسهم في شعور المواطن السعودي بالفخر والاعتزاز بوطنه وقيادته الرشيدة -أيدها الله-، وتعزيز مشاعر الهوية والانتماء للمملكة.