يُعد العمل التطوعي منذ القدم دلالة على رقي الأمم وتقدمها وازدهارها، فكلما ازدادت الأمم في التقدم والرقي ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري، الذي تتنوع مجالاته، وقد عرف مجتمعنا -ولله الحمد- العمل التطوعي وساهم الكثيرون في هذا العمل وغرسوا في النشء منذ القدم حب العمل التطوعي والخيري، وكان هذا العمل كنوع من التكافل الاجتماعي، ولو عدنا إلى الوراء عقوداً من الزمن لأدركنا مدى حب العمل التطوعي والخيري وتسابق الناس عليه مثل تفطير الصائمين وكفالة الأيتام وخدمة الضعفاء من المسنين ممن لا عائل لهم، وغيرها من الأعمال الخيرية كبناء المساجد والمساهمة في رعاية اليتامى والمرضى والمسنين. وفي حياتنا المعاصرة بات المجتمع في حاجة إلى المزيد من الأعمال التطوعية بعد أن امتد التطور إلى كافة مناحي الحياة في خطى متسارعة، وحاجة التنمية تستدعي الوقوف إلى من يحتاج من خدمات تطوعية، وبات التنظيم لهذه الأعمال التطوعية أمراً تفرضه الحاجة بعد أن ازدادت الكثافة السكانية وتوسعت المدن وتطورت البلدات والقرى وبات من الصعوبة التعرف على المحتاجين والوصول إليهم، فقد بدأ توحيد الجهود بإنشاء الجمعيات الخيرية المختلفة إلى ترعى الفئات المستحقة لمد العون والمساعدة من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وغيرهم من المستحقين للرعاية، إضافةً إلى العمل التطوعي في كافة مناحي الحياة كالمحافظة على البيئة وغيرها، وفي عصرنا الحاضر سعد الجميع بتأسيس منصة «إحسان» الخيرية التي جاء تتويجاً للجهود وتوحيد العمل التطوعي والخيري في موقع يستطيع من يشاء في العمل التطوعي والخيري الوصول إليه بيسر وسهولة وهو في أي مكان وبأي جهاز كمبيوتر، بل وحتى بالهاتف الجوال، مما ساهم في دعم العمل التطوعي وجعله ميسراً لكل من يطلبه في أي موقع في مملكتنا الغالية. خدمة إنسانية ويعرّف التطوع بأنه الجهد الذي يبذله أي إنسان بمقابل أو بدون مقابل لمجتمعه، بدافعٍ منه للإسهام في تحمل مسؤولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية، كما يعرف أيضاً بأنه بذل مالي أو عيني أو بدني أو فكري يقدمه المسلم عن رضا وقناعة، بدافع من دينه، بقصد الإسهام في مصالح معتبرة شرعاً، يحتاج إليها قطاع من المسلمين وهو كذلك خدمةٌ إنسانيةٌ وطنيةٌ تهدف إلى حماية الوطن وأهله من أي خطرٍ، وفي بعض الدول كسويسرا مثلاً يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة، والمتطوع هو الشخص الذي يسخّر نفسه طواعيةً ودون إكراهٍ أو ضغوطٍ خارجيةٍ لمساعدة ومؤازرة الآخرين، بقصد القيام بعملٍ يتطلب الجهد وتعدد القِوى في اتجاهٍ واحدٍ، ويسعى العمل التطوعي إلى خلق روحٍ إنسانيةٍ تعاونيةٍ بين أفراد المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة، وللتطوع أهمية كبيرة بالنسبة للمتطوع نفسه، فهو يعزز الثقة بالنفس، ويجعل للمتطوع مكانةً في المجتمع، إلى جانب أنه يزيد من الخبرات لدى المتطوع، ويسهم في تحقيق أهدافٍ خاصةٍ متمثلةٍ في الاشتراك في مشروعاتٍ تطوعيةٍ محببةٍ إليه، وفيه أيضاً استثمار أوقات لفراغه في أعمال اجتماعية تحقق له الاشباعات المعنوية المختلفة، وأهم من ذلك كله الحصول على الأجر من الله سبحانه وتعالى. تحقيق التعاون والتطوع فيه تخفيف العبء عن الجهود الحكومية، حيث يوفر الجهد التطوعي موارد كثيرة إذا ما قام به موظفون متخصصون، وفيه تحقيق للتعاون بين أفراد المجتمع حيث يدرك كل شخصٍ أنه شريكٌ في تحقيق أهداف المجتمع، ويحث الإسلام على التطوع ويجازي من يفعل الخير مهما قلّ ثوابًا عظيمًا، فيقول الله في القرآن: «وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا»، وأيضاً: «فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره»، وهناك الكثير من الأحاديث التي تحث على التطوع ومساعدة الناس، ومنها أن رجلًا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ يدخله على مسلمٍ، أو يكشف عنه كربةً، أو يقضي عنه دينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليّ من اعتكف في هذا المسجد -أي مسجد المدينة- شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل». مسؤولية اجتماعية و»إحسان» منصّة وطنية سعودية للعمل الخيري تعمل على تطوير الحلول التقنية المتقدّمة واستثمار البيانات والذّكاء الاصطناعي بهدف تعظيم أثر المشروعات والخدمات الخيرية والتنموية واستدامتها، من خلال الشراكات الفاعلة بين القطاع الحكومي والخاص والقطاع غير الربحي، وصدرت الموافقة عليها بتاريخ الثالث عشر من شهر شعبان لعام 1441ه بناءً على الأمر السامي، وتعمل تحت إشراف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي -سدايا- وعدد من الجهات الرسمية الأخرى، وتهدف المنصة إلى تعزيز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها، وتمكين القطاع غير الربحي وتوسيع أثره، وتفعيل دور المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص والمساهمة في رفع مستوى الموثوقية والشفافية للعمل الخيري والتنموي، كما تساعد المنصّة الجهات غير الربحية المختلفة على تنمية مواردها المالية، وتسهّل عملية التبرع للباحثين عن الخير، بالتكامل مع بقية المنصّات، واطلاعهم على مختلف مجالات التبرع المتاحة في داخل المملكة العربية السعودية في مكان واحد. فرص متنوّعة وتقدم منصّة «إحسان» فرص تبرع متنوّعة تغطي العديد من جوانب العمل الخيري داخل المملكة وخارجها وفق ما يرِدها من مشروعات وفرص عبر شركائها من الجهات الرَّسمية، وتوفر خيارات متعدّدة لتسريع عملية التبرع، ويغطي التبرع مجالات الصحة والتعليم والإسكان والأوقاف ورعاية الأيتام والأرامل والسجناء وغيرها من المجالات الخيرية والتنموية المختلفة، ومن خلال خدمة المعلومات المفتوحة تعمل «إحسان» على تمكين الشركات والجهات غير الربحية من الوصول إلى التقارير والإحصاءات والمعلومات اللازمة لتسهيل معرفة الأولويات وحجم الاحتياج على مستوى المناطق والأفراد، كما توفر المنصة آلية متطورة ومتقدمة ترفع درجة الموثوقية والشفافية والسهولة في جمع التبرعات، وتسهم في تنظيم ونشر ثقافة العمل الخيري والتنموي، وتخضع المنصّة إلى أعلى المعايير الأمنية المعتمدة من قبل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي -سدايا-، كما تقوم المنصّة باستعراض الفرص المتعددة للجهات المختلفة، بهدف المساهمة في دعم مشروعاتها الخيرية والتنموية للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً، وتشتمل خدمات ومنتجات المنصّة على برنامج «هدية إحسان» الذي يتيح للمتبرع أن يتبرع بالنيابة عن أحد أفراد أهله أو أحبابه، نشراً لثقافة التبرع وتعزيز الترابط الاجتماعي، بالإضافة إلى برنامج الزكاة، وهو برنامج إلكتروني متكامل يغطي جوانب الزكاة المختلفة كزكاة الأسهم وزكاة الذهب والفضة وزكاة عروض التجارة وغيرها، وكذلك بوابة الخدمات الخيرية الخاصة بمسؤولي الجمعيات الخيرية، والتي تسهّل لهم رفع الفرص وعرضها عبر المنصة بشكلٍ مباشر، ورفع تقارير المشروعات، والاطلاع على تقارير التبرعات الواردة لها. إنجاز استثنائي وتوفر منصّة «إحسان» حساباً مستقلاً لكل جهة خيرية أو غير ربحية لإدارة التبرعات وإصدار التقارير مع مراعاة أعلى مستويات الأمان والموثوقية، والتكامل مع كافة بوابات الدفع الإلكتروني، وكذلك تزوّد المنصّة المتبرعين بتقارير لحظية حول حالة حملات التبرع، وتغطية تكاليف كل مشروع، وإمكانية التبرع بنقاط الولاء من شركات القطاع الخاص، وتأخذ المنصّة على عاتقها تكريم المميزين في العطاء التنموي بشكلِ دوري، وللمساهمة في نشر الخير ومضاعفة الأجر، ووفّرت المنصّة خدمة غراس التي تتيح مشاركة فرص التبرع عبر وسائل التواصل المختلفة، ويتمّ حساب النقاط بعد كل عملية تبرع وإضافتها إلى الصّفحة الشخصية للمساهم، وقد أعلنت المنصة الوطنية للعمل الخيري «إحسان» عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في شهر أبريل من هذا العام 2022م أن إجمالي التبرعات التي استقبلتها المنصة تجاوز حاجز ملياري ريال سعودي، ويأتي هذا الإنجاز الاستثنائي وغير المسبوق في تاريخ العطاء الخيري في المملكة بدعم وتمكين القيادة الرشيدة للعمل الخيري، كما يعكس هذا الإنجاز الذي حققته المنصة مستويات الثقة الكبيرة التي تحظى بها المنصة في أوساط المتبرعين والمانحين، وما أحدثته من نقلة نوعية في تسهيل وصول التبرعات إلى مُستحقيها في جميع المجالات والفرص التي ترعاها المنصة بأعلى درجات الكفاءة والموثوقية. تحسين تجربة وتُشدّد «إحسان» على الحوكمة وتضعها على قائمة الأولويات، من خلال أنظمة وقوانين وإجراءات تطبقها وتنقلها من أفضل الممارسات العالمية، وتعمل على الحد من استخدام السلطة الإدارية في غير مصالح المتبرعين والمستفيدين، من خلال الأداء الآلي وتقنيات الذكاء الصناعي وتعزيز الرقابة الداخلية ومتابعة تنفيذ الإستراتيجيات وتحديد أدوار وصلاحيات الإدارة التنفيذية، علاوة على تأكيد أهمية الشفافية والإفصاح، وذلك بغرض ترسيخ نزاهة المعاملات المالية بوضع محددات تخدم المصالح العامة والحقوق الخاصة للمتبرعين والمستفيدين، وفي هذا العام 2022م أطلقت المنصة تطبيقها للهواتف الذكية، امتداداً للتميّز الرقمي الذي عكسته المنصة في تعزيز الوصول إلى فرص التبرع، وتوظيف الحلول الرقمية التي طوّرت بها المزيد من التسهيلات في عملية التبرّع، ومن المتوقع أن يسهم التطبيق في تحسين تجربة المستخدم في تقديم التبرّعات بواجهات سهلة التصفح والاستخدام، ووسائل وطرق تبرّع متعددة وسريعة، وإتاحة تفعيل التنبيهات، وغيرها من المزايا الخاصة بالهواتف الذكية. تفطير الصائمين من أعمال الخير بحثاً عن الأجر من الخالق تبرعات منصة «إحسان» وصلت إلى إنجاز استثنائي مبادرة الفحص الطبي والرعاية المنزلية إعداد: حمود الضويحي