يحق لنا فعلاً تسمية مدينة الرياض (بعاصمة الكتاب) فما شهدته عاصمتنا الحبيبة من حراك ثقافي عالمي ممثلاً بمعرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2022 إلا دليل على اهتمام قيادتنا الرشيدة بالثقافة، وتعزيز قيمها، وترسيخ مبادئها الإنسانية. فمعرض الرياض الدولي للكتاب لم يعد حدثاً محليًا أو إقليميًا؛ بل أصبح يشكل منصة عالمية ودولية رائدة في صناعة الكتاب والثقافة ونشر الفكر والمعارف المختلفة، فمع كل دورة للمعرض يكتسب زخمًا جديدًا واتساعًا في نطاق المشاركة، وتنوعا في الفعاليات الثقافية المرافقة، حيث شهدت دورة هذا العام مشاركة نوعية من 1200 دار نشر ودور بالوكالة تمثل 32 دولة حول العالم، ترافق حضورهم الكثير من الفعالية الثقافية والإبداعية والمعرفية والأنشطة التفاعلية التي تستهدف فئات المجتمع المختلفة، ما يجعله أكبر تظاهرة ثقافية عالمية والمنصة الأهم لاستقطاب المعنيين بصناعة النشر والمعرفة، والأكثر استقطابا للزوار الشغوفين بالكتب واقتنائها، حيث وصل عدد الزوار إلى أكثر من 700 ألف زائر. واحتفى المعرض بالثقافة التونسية كضيف شرف لمعرض الرياض الدولي للكتاب 2022 عبر جملة من الفعاليات في التراث والثقافة التونسية، التي استضافت كبار المفكرين والأدباء والمثقفين والمختصين في الثقافة والتراث التونسي، إضافة إلى حفلات غنائية، صافح من خلالها فنانون تونسيون جماهيرهم ومحبيهم. كما قدم شعراء تونسيون إبداعهم الشعري في فضاء المعرض. المعرض الذي أقيم خلال الفترة من 29 سبتمبر إلى 8 أكتوبر، في موقعه المعتاد بواجهة الرياض، كان تحت شعار «فصول الثقافة»؛ وقدم على مدى عشرة أيام برنامجًا ثقافيًّا شاملاً، غطى أوجه الإبداع كافة، كتقديم الندوات والأمسيات النوعية التي تثري برنامجه الثقافي الشامل، وكذلك إقامة الحفلات الموسيقية، وقدم في برنامجه الثقافي نخبة من الكُتاب والمؤلفين الذين تحدثوا للزوار عن مؤلفاتهم عبر سلسلة لقاءات «حديث الكتاب»، إضافة إلى الندوات والمحاضرات الثقافية، والجلسات الحوارية التي استضافت المفكرين والمبدعين في مختلف المجالات. كما تضمن البرنامج الثقافي «الأمسيات الشعرية»، وورش عمل الطهي الحي، إلى جانب ما يزيد على 150 ورشة عمل في مختلف المجالات الثقافية، والعروض السينمائية والعروض المسرحية المصاحبة، ويمكن لأي زائر عادي أن يلاحظ بسهولة وهو يتجول في أنحاء المعرض ملامح هذه التظاهرة الثقافية بكل وضوح، فلا يكاد يخلو أي جناح مشارك من نشاط ثقافي مميز، سواء كان ندوة ثقافية تناقش قضية من القضايا المهمة، أم حفل إطلاق كتاب جديد يضيف للمعرفة البشرية، أم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون المعرفي والثقافي، كما قُدمت مؤلفات نادرة وحديثة في مختلف المجالات الأدبية والثقافية والمعرفية والعلمية، إلى جانب أجنحة الهيئات الثقافية والمؤسسات العلمية والأكاديمية في السعودية التي أثرت زوارها بمعروضاتها من مخطوطات ومؤلفات، وأنشطة توعوية في عدد من القطاعات الثقافية، ولا ننسَ كذلك جناح الطفل المصمم خصيصًا لتعزيز وعي النشء وتطوير مواهبهم في مهارة القراءة والكتابة وتنمية شغفهم في مختلف المجالات الإبداعية، وغيرها من الأنشطة الثقافية التي تجعل الزائر مفعماً بالأجواء الثقافية في المعرض. كما هدف المعرض للتشجيع على القراءة وزيادة الوعي المعرفي والثقافي والأدبي لكافة شرائح المجتمع. كما سجل معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 رقمين قياسيين في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، تمثّلا في أكبر كلمة مكونة مما يزيد على 7000 كتاب شكّلت في مجموعها كلمة «ترجم»، إضافة إلى أكبر كتاب منبثق في العالم. وقد تسلّمت هيئة الأدب والنشر والترجمة شهادتي التسجيل بحضور المحكم الرسمي لغينيس للأرقام القياسية، وجمع من الشخصيات الثقافية والأدبية. ولا يتوقف الأثر الإيجابي لمعرض الرياض الدولي للكتاب على الجانب الثقافي وتعزيز القوة الناعمة الثقافية للمملكة، فهناك تأثيرات اقتصادية مهمة أيضاً، تتمثل في جانبين، الأول هو تعزيز صناعة المعارض الدولية التي تخدم قطاعات اقتصادية عديدة أخرى، مثل قطاعات السياحة والسفر والفنادق، إلى جانب صناعة النشر والطباعة، وتحفيز مشاركة المملكة بالتعاون التجاري؛ لتصبح السعودية إحدى أهم البوابات العالمية لقطاع النشر، لتوفر مصادر دخل مهمة لكثير من الأفراد والمؤسسات العاملة بما يعزز من النمو الاقتصادي للدولة، ويعزز من أهميتها مركزاً لصناعة المعارض الدولية. في الحقيقة الرياض أصبحت مدينة عالمية تسحر الجميع بجمالها وتطورها وحراكها في كافة المجالات؛ وخير دليل هو ما شهده معرض الكتاب من إقبال منقطع النظير، فلتحيا الرياض منارة للثقافة والمعرفة.