لا خلاف على أنّ الثقافة تُعدُّ من أهمّ المُكوّنات الحضارية التي تُعوّل عليها الدول والمجتمعات في تكوينها الحضاري، وفي صيانة أفرادها ومنظومة قيمها من التشظّي والتدنّي والتهاوي المريع الذي رُزئت به الشعوب التي أغفلت البُعد الثقافي والقيمي، ما جعلها فريسة سهلة ولقمة سائغة لأي محاولة تجريف أخلاقي أو انهيار سلوكي وغيرها من العلل والأدواء التي تصاحب دوماً الخواء الفكري والضعف الثقافي. من هنا فإنّ إيلاء الثقافة هذا الاهتمام هو من باب الضرورة وليس من فيض الترف أو من نافلة الاهتمام لدى الدول المتحضّرة، فالثقافة هي المكوّن الصلب الذي تتهاوى على جدرانه كل محاولات التسطيح أو ضرب القيم ونشر التسطيح وثقافة الخواء. ولذا فمن الطبيعي أن نجد الثقافة جزءاً أصيلاً من التحول الوطني الذي تعيشه بلادنا، ومتواشجة بشكل قوي مع مرتكزات الرؤية المباركة التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين ورسمها وأشرف على تنفيذها ومتابعتها سمو ولي العهد -حفظهما الله- والتي جعلت من هذه الثقافة نمط حياة. اليوم تتواصل قاطرة الثقافة بشكل طلائعي وتغذُّ السير الحثيث في تعضيد مسيرة الحضارة والتنمية في بلادنا، فمن حدث ثقافي كبير إلى حدث أكبر، ومعرض دولي مبهج تتوافد إليه العقول الفذة من مفكرين وكتاب وفلاسفة لتحظى بأجواء ثقافية مائزة ومختلفة. هكذا بدت مملكتنا الحبيبة، قِبلة المثقفين تشرئبّ إليها أعناقهم وتهفو نفوسهم للمشاركة في أعراسنا الثقافية. ويمتدّ العطاء السخيّ وتعلن وزارة الثقافة عزمها على إطلاق مركز «فناء الأول» في الحي الدبلوماسي بالرياض، وهو مركز ثقافي متكامل مخصص لاحتضان المفكرين والمبدعين وأصحاب المواهب الإبداعية المتعددة، عبر المساحات المتنوعة التي يوفرها للمعارض الفنية وورش العمل والملتقيات الثقافية، إلى جانب الفضاء الثقافي والمعرفي الذي سيُتيحه المركز لزواره من مختلف الشرائح. هذا المركز بشكله البديع يعتبر من المعالم البارزة في الحي الدبلوماسي بتصميمه المميز وبزخرفته الهندسية على الطراز النجدي التقليدي، حيث وُضع المبنى مؤخراً تحت رعاية الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وذلك ضمن برنامج التحول الوطني لرؤية المملكة 2030، والذي تُعدّ الثقافة جزءاً أساسياً منه. هذا المركز سيحتضن المعارض الفنية وورش العمل الفنية والتعليمية، إضافةً إلى برنامج متنوع من الندوات والنشاطات الثقافية الأخرى، كما سيحتوي على مكتبة متخصصة تقدم مجموعة واسعة من الكتب الثقافية والفنية في مجالات مختلفة، وسيكون له مجموعة فنية دائمة معروضة في «فناء المنحوتات». ويسعى المركز لريادة تجربة «المكان الثالث» في المملكة من خلال توفير وجهة للاستكشاف وفسحة للحوار بين الثقافات ومساحة للتبادل المعرفي والثقافي الإنساني، مما يؤدي إلى تكوين مجتمع متنوع من المفكرين المبدعين.