إن عدد الأطفال المصابين بالتوحد في السعودية يتراوح بين 48 و50 ألف طفل وفق الإحصاءات الرسمية، لذا قد يعتقد البعض أن احتياجات أطفال التوحد تُلبى فقط من قبل عائلاتهم، وتناسوا أن أطفال التوحد لديهم احتياجات كبقية الأطفال صحيح أن التوحد يؤثر في نموهم خاصة أن المرض يحدث غالباً في مرحلة مبكرة من الطفلة، ويلازمهم طوال فترة حياتهم، كما أنه يؤثر على تصرفاتهم وتفاعلهم مع الآخرين، بل ويؤثر أيضاً على طريقة تواصلهم. ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء الأطفال ليس لديهم القدرة في التعلم ومواكبة أقرانهم، بل على العكس مع الدعم الطبي والمجتمعي والبيئي فإن أطفال التوحد قادرون على الاندماج والتواصل مع غيرهم في المجتمع. إحدى الطرق المستخدمة لتحسين المهارات الاجتماعية لأطفال التوحد هي ثنائية "المدرسة - النادي" فكلاهما يملكان نصف الحل لدعم أطفال التوحد وصقل مهاراتهم حتى يصبح لديهم الثقة والشجاعة للتواصل بشكل طبيعي، والتفاعل مع الأشخاص المحيطين به في المجتمع. في البداية لا بد من التذكير بأن وطننا الحبيب يقف في صدارة الدول العربية التي اهتمت بدعم أطفال التوحد، وقد تجلى ذلك في مبادرة ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بإنشاء برنامج الأمير محمد بن سلمان للتوحد، وافتتاح 7 مراكز تابعة لمستشفيات القوات المسلحة موزعة جغرافيًا حول المملكة لعلاجهم، تمثلت في كل من: الرياض، جدة، الطائف، تبوك، حفر الباطن، خميس مشيط، الظهران. وهنا نأتي لمربط الفرس، حيث إن أغلب هذه المبادرات ركزت على الجانب التعليمي والعلاجي ولم تركز على الجانب الرياضي الذي قد يجمع ويسهل كلا الجانبين التعليمي والعلاجي وهو إحدى الوسائل التي يمكن أن تحدث فارقا لدى كل طفل يعاني من هذا المرض، فهو ببساطة يعمل على دمج أطفال التوحد مع بقية الأطفال من خلال الأنشطة البدنية والرياضة في المدرسة / النادي، لتكون حلقة وصل بينهم وبين البقية، سواء كان ذلك في حصص الرياضة المدرسية أو النوادي الرياضية. نعم إنها حلقة الوصل التي نفتقدها، فما زال هناك تقصير من قبل الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات المناسبة لأطفال التوحد وذويهم، وإحدى هذه الخدمات تهيئة البيئة لتكون دعامة لدمج أطفال التوحد في البيئة الرياضية سواءً كانت في النوادي أو المدارس، حيث إن مشاركتهم في الأنشطة البدنية والرياضة وسيلة يمكن أن تحسن من مهاراتهم الاجتماعية ليس هذا فقط، بل إنها ستحسن من المهارات البدنية وتقلل من المشاكل السلوكية التي يعانون منها، لذا لا بد أن نعترف أن عدم توفر مراكز رياضية مهيأة كانت سببا في استبعاد أطفال التوحد من المجتمع، وهذا الاستبعاد تسبب في زيادة المشاكل التي يواجها أطفال التوحد وذويهم من الناحية الاجتماعية، وسبب قصورا في تعلمهم للمهارات الاجتماعية المطلوبة التي ستساعدهم للانخراط في الأنشطة الاجتماعية. ومن أجل تحقيق ترابط مجتمعي سليم، يجب أن يتم تطبيق وتفعيل القوانين التي سنتها الدولة فيما يخص الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة وخاصةً أطفال التوحد، حيث إن غالبية الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة في المجال الرياضي مقدمة لفئات محددة فقط، وهو أمر يتنافى مع رؤية 2030، ومع أهداف وزارة الرياضة واتفاقية حقوق الإنسان التي خصصت بنودا لدعم ذوي الإعاقة. أخيراً.. "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، إن أطفال التوحد وعائلاتهم جزء من المجتمع، لهم احتياجاتهم وحقوقهم التي يجب أن يتم كفلها من قبل الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات لهم. * برنامج العلاج الوظيفي، جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن