مكتبتي أهديتها لدارة أسرة آل ماضي بعد تقاعد المؤرخ والأديب أ. عبدالله بن عبدالمحسن الماضي وكيل وزارة الداخلية سابقاً، ضيفنا اليوم في صفحة "زيارة إلى مكتبة"، تفرّغ لكتابة خلاصة ما في خاطره وما اختزنه في ذاكرته، وقد بلغ عدد الكتب التي أصدرها حتى الآن ثمانية كتب.. وهو اليوم على أبواب التسعين من عمره يسعى لاختتام مؤلفاته بكتاب عن الحالة العامة في المملكة ونشأة الإدارة، ومرحلة تكوين القطاعات الحكومية، والأنظمة والتشريعات المصاحبة لها، فهو شاهد على مرحلة قيام الدولة السعودية الحديثة. ويرى ضيفنا أن أهمية وجود المكتبة في البيت بأهمية وجود المجلس.. وأن جمع الكتب لا يعني قراءتها كلها، فهي تماماً مثل جمع المال الذي لا يعني إنفاقه كله.. فكيف يعيب الناس على جامع الكتب دون أن يقرأها كلها ولا يعيبون على جامع المال دون أن ينفقه كله!.. فالكتب المرجعية بأهمية المقتنيات الفاخرة في أي بيت. وفي مكتبة دارة أسرة آل ماضي بمدينة الرياض جرى هذا اللقاء مع عميد الأسرة الأديب عبدالله بن عبدالمحسن الماضي، الذي عُرف بشغفه الشديد بالكتاب منذ أن عرف القراءة، فإذا لم يكن يعمل في المكتب فهو حتماً يقرأ في مكتبته، اعتاد أبناؤه رؤيته إما حاملاً كتاباً أو مجلة أو جريدة، واعتاد جلساؤه حينما يلتقون به أن يحدثهم عن أهمية القراءة وفوائدها.. للكاتب تقدير خاص عنده، وللكتاب مكانة خاصة لديه، ولكل قارئ حظوة خاصة في عقله وفي نفسه وفي مجلسه. في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتَ على الكتاب؟ * عند التحاقي بمدرسة الكُتَّاب في الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي.. لم نكن نعرف الكِتاب بل كنا نكتب ونقرأ من لوح خشبي نكتب عليه بسناء الصاج.. لذلك كان أول كتاب رأيته في حياتي هو القرآن الكريم، ولم يكن في الأرطاوية آنذاك سوى كميات قليلة من المصاحف. هل تستطيع تحديد بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * في الخمسينات الميلادية بعد التحاقي بالوظيفة الحكومية واستقراري في مدينة الرياض فتنت بقراءة روايات المنفلوطي، والأدب بشكل عام، ودواوين الشِّعر الشعبي والعربي، ولم يكن لكتبي آنذاك مكان مخصص بل كانت متناثرة ما بين غرفة النوم والمجلس.. لذلك أستطيع أن أقول إنني بدأت بجمع الكتب قبل تأسيس مكتبة. ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * على الرغم من حرصي على زيارة معارض الكتاب إلا أن دورها في اقتناء الكتب وشرائها كان محدوداً جداً.. فمعظم ما أقتنيه في مكتبتي جاء عن طريق الإهداءات من الأصدقاء والمحبين، والقليل منها أتى عن طريق الشراء. ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشَّخصيَّة؟ * كانت كتبي متناثرة حتى انتقلت للسكن في حي الملز عام (1967م)، حيث خصصت لها (دولاب) ساعد في الاحتفاظ بها وحمايتها من الضياع.. ثم حين انتقلت للسكن في حي الربوة عام (1981م)، بنيت لها قاعة خاصة استعملتها كمكتب ومكان للقاءات والندوات الثقافية.. ثم لما شيدت أسرة آل ماضي مقراً لصندوقها الأسري عام (1998م) نقلت مكتبتي كاملة إهداء لمقر الصندوق. حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك. * قضيت في العمل الحكومي أكثر من خمس وأربعين سنة، وكنت محباً للقراءة كنوع من المتع القليلة في زماننا وليس للبحث والتعلم، وتنوعت اهتماماتي بين الروايات في شبابي ثم تطورت اهتماماتي لقراءة كتب السيرة والتاريخ والسياسة والأدب.. فالقراءة بالنسبة لي ترويح عن النفس وتجلية للهموم وتوسعة للمدارك. هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * المخطوطات التي لديّ كلها عبارة عن مراسلات بين الملك عبدالعزيز وشيوخ القبائل وأمراء المناطق والقرى في الجزيرة العربية إبان مرحلة التوحيد.. وبالذات المراسلات الخاصة بالأرطاوية وإخوان من طاع الله. هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * لا تخلو المكتبة عندي من هذه المطبوعات.. وخصوصاً ما يهم الأسرة والمنطقة وتاريخ المملكة بشكل عام.. لقد كنت منذ يفاعتي مهتماً بحفظ ما يروق لي من كتابات في الصحف والمجلات بعضها تجاوز عمرها سبعين عاماً. ما الذي تبحث عنه حينما تقرأ؟ * القارئ في العادة يبحث عن الإجابات حينما يقرأ ولا يبحث عن الأسئلة إلا إذا كان مهتماً بالفلسفة.. أما بعد تقاعدي من العمل الحكومي فقد ركزت على تاريخ المملكة إبان مرحلة التوحيد، وتطور التنظيم الإداري الحكومي منذ مطلع تأسيس هياكل الدولة الحكومية. ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها؟ * كتب التاريخ خاصة ما يتعلق منه بتاريخ المملكة، فهذا التخصص الذي ركزت عليه في الثلاثين عاماً الماضي.. ومنها أصدرت كتاب «نشأة الإخوان ونشأة الأرطاوية». هل ساعدتك المكتبة الخاصة بك على التأليف؟ * بالتأكيد، فقد اعتمدت على الكثير من الكتب والمراجع التي احتفظ بها في مكتبتي.. إضافة إلى المنشورات والمستندات والوثائق والصور التي حصلت عليها من مصادرها ودعمتني في توثيق مؤلفاتي. ماذا تعني القراءة لك؟ * منذ أن عرفت نفسي وأنا في قراءة دائمة، سواء في عملي أو في بيتي، فأنا أفضل القراءة على مشاهدة التلفزيون أو التنزه أو السفر، فالقراءة فتحت عيني على أفكار ومفاهيم وآراء ما كانت ستخطر على بالي لو لم أقرأ، وقد ساعدتني هذه الهواية كثيراً في حياتي الخاصة والعملية والعامة. متى تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ * أقرأ غالباً بعد صلاة الفجر إلى الظهر، وبعد صلاة العشاء حتى موعد نومي.. أما كيف أقرأ، فالقارئ لا يقرأ وهو خالي الذهن عما يقرأ، فإما أن أكون بصدد البحث عن معلومة لدعم ما أعمل على إنتاجه أو أني أقرأ للتسلية والمتعة، وفي كلتا الحالتين فإني أعرف ما أبحث عنه، ويكون في ذهني هدف محدد من القراءة. هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في الاطلاع وإعداد البحوث؟ * لقد استفاد أبنائي فعلاً من مكتبتي، بل إن أكبرهم (عبدالمحسن) تفرغ لمهنة الكتابة، أما البقية فقد كسرت لديهم الهيبة من الكتاب، علماً أن مكتبتي أهديتها لدارة أسرة آل ماضي بمقرها بمدينة الرياض، ومتاحة لكل أفراد الأسرة وللقريب والبعيد. هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * الطرافة في الموضوع تشد القارئ ويعشقها الكثير، وهي الجاذب الرئيس.. وبالنسبة لي فإن التاريخ هو سيد المواضيع التي تجذبني وتستهويني. ما أسلوب الكاتب الذي يعجبك؟ * القارئ هو المستهدف النهائي من إنتاج الكاتب، والأسلوب هو وسيلته للوصول إلى قلب القارئ وعقله، فالأسلوب هو الذي يضفي على الموضوع أو الفكرة التي يريد أن يطرحها الكاتب إما لباساً قشيباً أو لباساً رثاً.. وهذا الذي سوف يشجع القارئ أو يبعده عن قراءة الكتاب.. وإذا استثنينا القارئ الباحث فإن الأسلوب في أحيان كثيرة يكون أهم من الموضوع ذاته. ماذا تُفضل.. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * المكتبة الورقية لها روّادها، ومازالت ذات أهمية ومازالت لها الصدارة.. ومن هم في مثل سني حتماً يفضلون الكتب الورقية.. فالقراءة في الكتاب الورقي لها متعة لا يمكن أن تجدها في القراءة الإلكترونية. هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟ * حرصت دائماً على أن تكون المكتبة غنية وثرية بالمواضيع المتنوعة، فأنا لم أجمع محتوياتها لنفسي فقط بل حرصت على أن تستهوي أبنائي وغيرهم.. أما خلال السنوات العشرين الأخيرة فقد غمرني الأحباب والأصدقاء بإهداءاتهم من الكتب والإصدارات.. وإن غلب عليها كتب التاريخ. هل تقتني الكتاب من خلال توصيات أو بانتقاء شخصي؟ * هناك من الكتب ما أقتنيه بناء على توصية من أصدقاء، ومنها ما أحرص على اقتنائه من خلال الاهتمام الشخصي. ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة منزليَّة؟ * وجود الكتب مدعاة لتربية الناشئة على حبها.. فالمكتبة ليست مجرد مستودع كتب أو زينة للبيت، بل تتجاوز ذلك فهي تعود الأبناء على وجود الكتاب في بيوتهم فيألفونها، فلعل الله أن يهبك ابناً أو بنتاً لديه الموهبة فيصبح أو تصبح ذات شأن وطني كبير في مجال الآداب أو الفنون أو الفكر، وما ذلك على الله بعزيز. ما نصيحتك للقارئ الشاب؟ * القراءة تعني الفهم والتعلم والوعي وهنا مصدر خطورتها.. وعدم الاهتمام بماذا تقرأ أو كيف تقرأ مضيعة للعمر والجهد.. لذلك تخصيص وقت كل يوم للقراءة ولو كان قليلاً أمر حاسم في نموك الشخصي وتطورك الوظيفي وحياتك الاجتماعية وتأثيرك الأسري على أبنائك.. ويجب أن يثق الشاب أنه لا فرق بين الشاب الأمي والشاب الذي لا يقرأ. كلمة أخيرة: * الناشئة من بنين وبنات يألفون عشق والدهم للقراءة والكتابة، واقتناء الكتب، متى كان للوالدين «أماً وأباً» حسن تربية، ولكن هذا لا يعني انصرافهم عن مستحدثات التقنية.. وأن يكون وجود الكتاب أمراً مألوفاً وتصفحه عملاً يشجع الآباء أبناءهم عليه بحيث لا تخدمهم فقط بل تكون ثمرتها النهائية مفيدة للجميع وللوطن بأكمله. الضيف في المكتبة