يبدو أن الحديث عن الترسيم البحري اللبناني - الإسرائيلي، وخطوطه البحرية، غارقٌ في بحر المطامح الإيرانية والحسابات الإسرائيلية، بينما لم يتناول المفاوض اللبناني الرسمي مآلات ذلك الترسيم، ولا العلاقة بينه والاتفاق النووي الإيراني. وكالعادة، نجد أن المتحكّمين بمصير لبنان وشعبه، يختلفون على جلد الغزال قبل اصطياده، إذ يعتبرون اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل انتصاراً للبنان، ويعزونه لمواقف المقاومة وتهديداتها ومسيَّراتها، فيقومون بتجميع الانتصارات الوهمية، كهواية جمع الطوابع والعملات القديمة.. بينما عموم اللبنانيين، يرى في الترسيم الراهن تفريطاً قامت به مجموعة حاكمة تحت غطاء حزب الممانعة، لحماية نفسها، وتجديد أوراق اعتمادها لدى الغرب. والمفارقة العجيبة أن مَنْ ينسب مفاوضات الترسيم الحدودي للممانعة والمقاومة، يتلطى وراء موقف الدولة الرسمي، وهو الذي لا يعترف بوجودها أصلاً، سوى بالاسم، بل انتماؤه لجماعة سرقت لبنان في البر، وباعته في البحر، حوّلت شعبه إلى متسولين للخبز والدواء، وحلمه الهجرة ولو عبر قوارب أشبه بنعوش، كلّ ذلك قد حصل ويحصل في ظل شعارات رنانة عن الممانعة والمقاومة، وشعارات أخرى عن استعادة حقوق مذهب من هنا وطائفة من هناك. لو كان اللبنانيون يعيشون في دولة طبيعية ذات سيادة وهيبة، وفي ظل سلطة منتخبة بقانون طبيعي، وليس بهجين مفصل على مقاس مجموعة مؤدلجة، لما بات في أدنى مستوياته في الطموح والتقدم والمنافسة. لذلك ترى مجموعة الممانعة في ترسيم الحدود البحري إكسيراً يمدّها بغاز الأوكسيجين، ليجدد نشاطها، ويعيد تأهيلها.. والمطبلون لها يأكلون من مالها المسروق، ويتكلمون بلسانها، ويضربون بسيفها.. بينما المواطن اللبناني كان الغائب الأكبر، واقعاً بين مطرقة إسرائيل، وسندان الممانعة، وبات الأمر عنده سيَّان، سواء استُخرج الغاز أم لا، ما دام لن يكون له من الثروة نصيب. مَنْ يتحدثون عن حقوق المواطن اللبناني هم أنفسهم يريدونه أن يُقيم الأفراح والليالي الملاح، ابتهاجاً بالإنجاز العظيم الذي حققته الممانعة، مثلهم مثل فيلم (بنت الحارس) الذي انتهت مدة خدمة الأب، فروّعت ابنته القرية، حتى يعود إلى الخدمة مجدداً، ويبدو أن عرض هذا الفيلم ما زال مستمراً، لأن إيران ترى في لبنان ساحةً غير جاهزة للإقفال، وعليه أن ينتظر فكّ أسره، حتى تنتهي من مفاوضاتها ومعالجة إشكالاتها مع المجتمع الدولي.