على مر العصور، اُعتبرت حالة النوم أقرب إلى الموت «Akin to death»؛ وأشار قدماء اليونانيون إلى النوم باسم «شقيق الموت». كما أن الإسلام يعتبر النوم وفاة صغرى لا تنقطع فيها الحياة بالكلية، قال تعالى: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» (الزمر: 42)، وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ» (الأنعام: 60). ومع تقدم العلم وخاصة في مجال العلوم العصبية والرسم الكهربائي للدماغ Electroencephalogram (EEG)، أصبح لدينا بعض العلم بما يحدث من إعجاز خلال النوم وخفي عنا الكثير. ومن المعلومات التي عرفناها أن النوم يتكون من أنشطة دماغية يحدث من خلالها الكثير من العمليات البيولوجية مثل تنشيط خلايا الدماغ (neuronal plasticity) ودعم وتعزيز الذاكرة .(memory consolidation) كما توصل العلم إلى حدوث بعض الاضطرابات الحركية خلال النوم تعرف بخطل النوم مثل المشي أثناء النوم، واضطرابات أخرى خلال النوم يسببها مرض الصرع الليلي الذي يحدث خلال النوم. وقبل التفصيل في هذا الموضوع، سنراجع باختصار ماذا يحدث خلال النوم الطبيعي. ويمكن تقسيم النوم على نطاق واسع إلى: 1 - مرحلة انعدام للحركات السريعة للعينين (NREM)، وتمثل 75 % من إجمالي النوم وتتكون من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى والثانية والمرحلة الثالثة التي تعرف تجاوزاً بالنوم العميق. 2- مرحلة الحركات السريعة للعينين (مرحلة الأحلام) (REM)، وتمثل 25 % من إجمالي النوم وتتكون من مرحلة واحدة. كما خلص العلماء إلى أن الإنسان يمر خلال نومه على أربع الى ست دورات نوم، تتفاوت مدة كل منها بين التسعين دقيقة والمئة وعشر دقائق من النوم. وفي العادة ينام الإنسان ما بين ست إلى ثماني ساعات يومياً، أي بمعدل أربع إلى ست دورات نوم تقريباً. وفي ساعات النوم الأُول تكون مراحل النوم الثلاث الاولى (NREM) أطول خلال الدورة الواحدة، من مرحلة نوم الأحلام (REM). ومع استمرار النوم تبدأ مراحل (NREM) بالقصر لحساب مرحلة الأحلام (REM) والتي تصبح أطول. النوم والصرع: وتُظهر الأبحاث أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين النوم والصرع. وفي بعض المتلازمات المرضية تحدث نوبات الصرع في الغالب (أو حتى حصرياً) أثناء النوم أو في اليقظة. ويصبح الإفراط في النوم خلال النهار شائعاً عند المرضى الذين يعانون من الصرع وربما يعود ذلك لحصول اضطرابات في النوم تصاحب الصرع الليلي وكذلك للأدوية التي يستخدمها مريض الصرع. ويمكن أن تفاقم بعض اضطرابات النوم مثل توقف التنفس أثناء النوم نوبات الصرع، لذا فإن علاج هذه الاضطرابات يساعد على تحسين السيطرة على نوبات الصرع والعكس صحيح. كما يمكن للصرع ومضادات وأدوية الصرع أن تفاقم اضطرابات النوم. فقد أظهرت الكثير من الدراسات والأبحاث التي أجريت ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين أن نسبة 20 % من مرضى الصرع يعانون من نوبات صرع ليلية. والتي من الصعب التفريق بينها وبين اضطرابات النوم (التي تعرف بخطل النوم، مثل المشي أثناء النوم أو اضطراب الأحلام السلوكي) وذلك بسبب وجود التشابه في الأعراض والأوصاف فيما بينها. وهذا التشابه يخلق تحدياً كبيراً عند كثير من الأطباء للتفريق بين الصرع واضطرابات خطل النوم. كما وجد أن الشحنات الكهربائية للصرع المسجلة أثناء الرسم الكهربائي للدماغ تَظهر بنسبة كبيرة خلال النوم أثناء مرحلة انعدام الحركات السريعة للعينين (NREM) ، ويحدث ما يقارب 75 % منها أثناء مرحلة النوم الخفيف و 25 % منها أثناء مرحلة النوم العميق. ويندر حدوث الشحنات الكهربية للصرع أثناء مرحلة الحركات السريعة للعينين (الأحلام) .(REM) والسبب في ذلك يعود إلى أن الدوائر العصبية في الدماغ المسؤولة عن توليد وتصريف هذه الشحنات الصرعية هي نفسها التي تولد وتصرف "إمكانات النوم" (K-complexes) و "مغازل النوم" (Sleep Spindles) والتي تحدث في مرحلة غياب حركة العينين (NREM) صرع الفص الجبهي الليلي أهم أنواع الصرع الليلي هو «صرع الفص الجبهي»، حيث إن كل التشنجات القادمة من الفص الجبهي للدماغ تحدث بشكل رئيس وحصري أثناء النوم. ولذلك يعرف هذا النوع من الصرع ب «صرع الفص الجبهي الليلي» «nocturnal frontal lobe epilepsy». ومن المسلم به الآن أن «صرع الفص الجبهي الليلي ليس مرضاً متجانساً لوجود عدة أشكال وأسباب تؤدي لهذا المرض مثل: العوامل العائلية أو الوراثية، والصرع مجهول السبب أو عوامل متفرقة. وهناك صرع الفص الجبهي الوراثي الليلي السائد (ADNFLE) هو شكل غير شائع من الصرع يسري في العائلات. يتسبب هذا الاضطراب في حدوث نوبات تحدث عادةً في الليل (ليلاً) أثناء نوم الشخص المصاب. يعاني بعض الأشخاص المصابين ب ADNFLE أيضًا من نوبات خلال النهار. تميل النوبات المميزة ل صرع الفص الجبهي الوراثي الليلي السائد إلى الحدوث في مجموعات، حيث يستمر كل منها من بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق. وفي حين يعاني بعض الأشخاص من نوبات خفيفة تؤدي ببساطة إلى استيقاظهم من النوم، يعاني البعض الآخر من نوبات أكثر شدة يمكن أن تشمل حركات مفاجئة ومتكررة مثل حركات قذف الذراعين أو رميها وحركات تشبه حركة الساقين عند ركوب الدراجة. كما قد ينهض الشخص من السرير ويتجول في الأرجاء، مما قد يخطئ في أنه يمشي أثناء النوم. قد يصرخ الشخص أيضًا أو يصدر أصواتًا أنينًا أو يلهث أو شخيرًا. في بعض الأحيان يتم تشخيص هذه النوبات بشكل خاطئ على أنها كوابيس أو ذعر ليلي أو نوبات هلع. وقديهيج الإجهاد أو التعب النوبات، ولكن في معظم الحالات لا يكون للنوبات أي مهيجات واضحة. ويمكن أن تبدأ النوبات المرتبطة بصرع الفص الجبهي الوراثي الليلي السائد في أي وقت من الطفولة إلى منتصف مرحلة البلوغ، ولكن معظمها يبدأ في مرحلة الطفولة. وتميل النوبات إلى أن تصبح أكثر اعتدالًا وأقل تكرارًا مع تقدم العمر. ولكن، بصفة عامة، تعتبر عادة أعراض الصرع السريرية «لصرع الفص الجبهي الليلي» أقل خطورة من باقي أنواع الصرع بسبب أن النوبات تحدث بشكل حصري تقريباً أثناء النوم، وكذلك أقل تأثيرا على وظائف الدماغ. وفي الغالبية العظمى من المرضى يمكن السيطرة على المرض باستخدام العلاج الدوائي ومضادات الصرع. معظم الأشخاص المصابين بصرع الفص الجبهي الوراثي الليلي السائد لديهم قدرات عقلية معرفية طبيعية، ولا توجد مشاكل في وظائف الدماغ بين النوبات. ومع ذلك ، فقد يعانى بعض الأشخاص المصابين بصرع الفص الجبهي الوراثي الليلي السائد من اضطرابات نفسية (مثل الفصام) أو مشاكل سلوكية أو إعاقة ذهنية. ولك يثبت أن هذه الاضطرابات النفسية والسلوكية مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالصرع لدى هؤلاء الأفراد. الاضطرابات المشابهة للصرع وقد تشابه أعراض الصرع الليلي أعراض بعض اضطرابات النوم والتي تعرف بخطل النوم، والتي تحدث غالباً في مرحلة النوم العميق وتتضمن ثلاث أنواع فرعية رئيسية: المشي أثناء النوم الرعب الليلي الاستيقاظ بحِيرَة وتشوش اضطراب الأحلام الحركي السلوكي والاضطرابات الثلاثة الأولى تحدث غالباً خلال النوم العميق وتصيب عادة الأطفال وتكون حميدة، حيث تختفي مع تقدم الطفل في العمر. وغالباً ما يكون هناك تاريخ عائلي مرضي مشابه. ووجد أن الحرمان من النوم والتوتر واضطرابات النوم الأخرى مثل توقف التنفس يمكن أن تعجل بالإصابة في هذه الاضطرابات. وكما ذكرنا أعلاه حدوثها أكثر شيوعاً في الأطفال، ولكنها يمكن أن تحدث في البالغين. وهي تحدث عادة في الثلث الأول من الليل (عند النوم العميق). ويتميز المشي أثناء النوم في كثير من الأحيان بسلوكيات حركية معقدة مثل حمل الأشياء وتناول الطعام. وهذا الحدث عادة ما يستغرق دقائق معدودة أو يستمر لنصف ساعة أو ساعة. وفِي المقابل يتميز المصاب بالرعب الليلي بالصراخ وبزيادة نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي (التوتري) والتي من أعراضه (سرعة دقات القلب، اتساع حدقة العين والتعرق). والمرضي الذين يعانون من الاستيقاظ بحيرة وتشوش، عادة لا يتذكرون ما حدث عند الاستيقاظ صباحاً. ولذلك يكون أحياناً من الصعب التمييز بين اضطرابات خطل النوم و «صرع الفص الجبهي الليلي»، بالاعتماد على التاريخ المرضي وحده. أما النوع الرابع «اضطراب الأحلام الحركي السلوكي»، فهذا الاضطراب غير حميد يصيب عادة كبار السن. والاضطراب يصيب الرجال أكثر من النساء ويظهر أكثر عند المصابين بالأمراض العصبية المركزية التنكسية مثل مرض الباركنسون (الرعاش) أو بعد جلطات الدماغ أو إصابات الرأس الشديدة. وتشابه أعراضه إلى حد كبير أعرض الصرع الفصي الجبهي الليلي. علاوة على ذلك وجد في استفتاء طبي حديث أن هناك 34 % من مرضي «صرع الفص الجبهي الليلي» يعانون من اضطرابات خطل النوم. ولهذا ربما يكون واحداً من أكبر التحديات لدى كثير من الأطباء المختصين التفريق بين الصرع الليلي وخطل النوم. وهذا يتطلب زيارة طبيب مختص في طب النوم، وعند الاشتباه بوجود صرع ليلي يُحوَّل المريض إلى طبيب مخ وأعصاب مختص في الصرع. التشخيص من خلال مراقبة المريض لمدة 24 ساعة ولأن روايات شهود العيان لهذه الأحداث غالباً ما تكون فقيرة ولا تساعد في التفريق بين الصرع واضطرابات خطل النوم، لهذا مطلوب في كثير من الأحيان أن يقوم الطبيب المعالج بإدخال المرضى الذين يعانون من هذه الأحداث الليلية المتكررة لوحدة مراقبة الصرع أو إرسال المريض لمركز متخصص وذلك لعمل رسم كهربائي للدماغ المصاحب للفيديو لمدة 24 ساعة وذلك غالباً يساعد في تشخيص حالة المريض. ومع ذلك، تظل هناك بعض الأحداث الليلية الطفيفة، سواء بسبب الإثارة أثناء اضطرابات النوم أو النشاط الصرعي، يصعب التفريق بينها وبين خطل النوم لأن الأعراض تكون متشابهة جداً.