مع تقدم العلم وخاصة في مجال العلوم العصبية والرسم الكهربائي للدماغ (Electroencephalogram (EEG، أصبح لدينا بعض العلم بما يحدث من إعجاز خلال النوم وخفي عنا الكثير. ومن المعلومات التي عرفناها أن النوم يتكون من أنشطة دماغية يحدث من خلالها الكثير من العمليات البيولوجية مثل تنشيط خلايا الدماغ (neuronal plasticity) ودعم وتعزيز الذاكرة (memory consolidation). كما توصل العلم إلى حدوث بعض الاضطرابات الحركية خلال النوم تعرف بخطل النوم مثل المشي اثناء النوم، واضطرابات أخرى خلال النوم يسببها مرض الصرع الليلي الذي يحدث خلال النوم. وقبل التفصيل في هذا الموضوع، سنراجع باختصار ماذا يحدث خلال النوم الطبيعي. ويمكن تقسيم النوم على نطاق واسع إلى 1-مرحلة انعدام للحركات السريعة للعينين (NREM)، وتمثل 75٪ من إجمالي النوم وتتكون من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى والثانية والمرحلة الثالثة التي تعرف تجاوزاً بالنوم العميق. 2-مرحلة الحركات السريعة للعينين (مرحلة الأحلام) (REM)، وتمثل 25٪ من اجمالي النوم وتتكون من مرحلة واحدة. كما خلص العلماء الى أن الإنسان يمر خلال نومه على أربع الى ست دورات نوم، تتفاوت مدة كل منها بين التسعين دقيقة والمئة وعشر دقائق من النوم. وفي العادة ينام الإنسان ما بين ست الى ثماني ساعات يوميا، أي بمعدل أربع الى ست دورات نوم تقريباً. وفي ساعات النوم الأُول تكون مراحل النوم الثلاث الاولى (NREM) اطول خلال الدورة الواحدة، من مرحلة نوم الأحلام (REM). ومع استمرار النوم تبدأ مراحل (NREM) بالقصر لحساب مرحلة الأحلام (REM) والتي تصبح اطول. النوم والصرع وتُظهر الأبحاث أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين النوم والصرع. وفي بعض المتلازمات المرضية تحدث نوبات الصرع في الغالب (أو حتى حصريا) أثناء النوم أو في اليقظة. ويصبح الإفراط في النوم خلال النهار شائعاً عند المرضى الذين يعانون من الصرع وربما يعود ذلك لحصول اضطرابات في النوم تصاحب الصرع الليلي وكذلك للأدوية التي يستخدمها مريض الصرع. ويمكن أن تفاقم بعض اضطرابات النوم مثل توقف التنفس أثناء النوم نوبات الصرع، لذا فإن علاج هذه الاضطرابات يساعد على تحسين السيطرة على نوبات الصرع والعكس صحيح. كما يمكن للصرع ومضادات وأدوية الصرع أن تفاقم اضطرابات النوم. فقد أظهرت الكثير من الدراسات والأبحاث التي أجريت ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين أن نسبة 20% من مرضى الصرع يعانون من نوبات صرع ليلية. والتي من الصعب التفريق بينها وبين اضطرابات النوم (التي تعرف بخطل النوم، مثل المشي أثناء النوم أو اضطراب الأحلام السلوكي) وذلك بسبب وجود التشابه في الأعراض والأوصاف فيما بينها. وهذا التشابه يخلق تحدياً كبيراً عند كثير من الأطباء للتفريق بين الصرع واضطرابات خطل النوم. كما وجد ان الشحنات الكهربائية للصرع المسجلة أثناء الرسم الكهربائي للدماغ تَظهر بنسبة كبيرة خلال النوم أثناء مرحلة انعدام الحركات السريعة للعينين (NREM)، ويحدث ما يقارب 75٪ منها أثناء مرحلة النوم الخفيف و25٪ منها أثناء مرحلة النوم العميق. ويندر حدوث الشحنات الكهربية للصرع أثناء مرحلة الحركات السريعة للعينين (الأحلام) (REM). والسبب في ذلك يعود إلى أن الدوائر العصبية في الدماغ المسؤولة عن توليد وتصريف هذه الشحنات الصرعية هي نفسها التي تولد وتصرف إمكانات النوم و"مغازل النوم"sleep spindles" &" K-complexes" والتي تحدث في مرحلة غياب حركة العينين (NREM). صرع الفص الجبهي الليلي أهم أنواع الصرع الليلي هو "صرع الفص الجبهي"، حيث إن كل التشنجات القادمة من الفص الجبهي للدماغ تحدث بشكل رئيسي وحصري أثناء النوم. ولذلك يعرف هذا النوع من الصرع ب"صرع الفص الجبهي الليلي" " nocturnal frontal lobe epilepsy". ومن المسلم به الآن أن "صرع الفص الجبهي الليلي ليس مرضاً متجانساً لوجود عدة أشكال وأسباب تؤدي لهذا المرض مثل: العوامل العائلية أو الوراثية، والصرع مجهول السبب أو عوامل متفرقة. وتعتبر عادة أعراض الصرع السريرية ل"صرع الفص الجبهي الليلي حميدة بسبب أن النوبات تحدث بشكل حصري تقريبا أثناء النوم. وفي الغالبية العظمى من المرضى يمكن السيطرة على المرض باستخدام العلاج الدوائي ومضادات الصرع. ومع ذلك، هنالك أشكال حادة ومقاومة للأدوية، وتزداد حالات الصرع المقاومة في بعض الأحيان عند المرضى المصابين بنقص القدرات العقلية (التخلف العقلي) كما وصف في الأبحاث الطبية. الأعراض السريرية ل"صرع الفص الجبهي الليلي تتضمن: * نوبات الاستيقاظ المفاجئ من النوم، والتي عادة ما تكون وجيزة، وتتضمن فتح العين المفاجئ، رفع الرأس أو الجلوس في السرير، وظهور تعابير الخوف على النائم، وأحيانا النطق والصراخ. * نوبات انقباض العضلات (خلل التوتر) الليلي " Nocturnal paroxysmal dystonia"، الذي ينطوي على انقباض مستمر لجزء أو عدة أجزاء من عضلات الجسم مثل الأيدي أو الأرجل. * الحركات العضلية المعقدة "Hypermotor complex movements ". وقد تتسم بحركات قيادة الدراجة وتحريك الحوض بشكل اندفاعي. وقد يصرخ بعض المصابين بهذه الحالة بكلام بذيء أو يضحكون خلال النوبة. * أعراض التجول الليلي في الغرفة أو المشي أثناء النوم، والتي تتراوح مدتها من (1-3 دقائق)، مع حركات توترية في جزء أو عدة أجزاء من الجسم مصاحبة لهذا التجول أو المشي أثناء النوم. والناس الذين يعانون من صرع الفص الجبهي الليلي يكون لديهم عادة أكثر من عرض واحد. الاضطرابات المشابهة للصرع وقد تشابه أعراض الصرع الليلي أعراض بعض اضطرابات النوم والتي تعرف بخطل النوم، والتي تحدث غالباً في مرحلة النوم العميق وتتضمن ثلاثة أنواع فرعية رئيسية: 1- المشي أثناء النوم 2- رعب الليلي 3- الاستيقاظ بحيرة وتشوش 4- اضطراب الأحلام الحركي السلوكي والاضطرابات الثلاثة الأولى تحدث غالباً خلال النوم العميق وتصيب عادة الأطفال وتكون حميدة، حيث تختفي مع تقدم الطفل في العمر. وغالباً ما يكون هناك تاريخ عائلي مرضي مشابه. ووجد أن الحرمان من النوم والتوتر واضطرابات النوم الأخرى مثل توقف التنفس يمكن أن تعجل بالإصابة في هذه الاضطرابات. وكما ذكرنا أعلاه حدوثها أكثر شيوعاً في الأطفال، ولكنها يمكن أن تحدث في البالغين. وهي تحدث عادة في الثلث الأول من الليل (عند النوم العميق). ويتميز المشي أثناء النوم في كثير من الأحيان بسلوكيات حركية معقدة مثل حمل الأشياء وتناول الطعام. وهذا الحدث عادة ما يستغرق دقائق معدودة أو يستمر لنصف ساعة أو ساعة. وفِي المقابل يتميز المصاب بالرعب الليلي بالصراخ وبزيادة نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي (التوتري) والتي من أعراضه (سرعة دقات القلب، اتساع حدقة العين والتعرق). والمرضي الذين يعانون من الاستيقاظ بحيرة وتشوش، عادة لا يتذكرون ما حدث عند الاستيقاظ صباحاً. ولذلك يكون أحياناً من الصعب التمييز بين اضطرابات خطل النوم و"صرع الفص الجبهي الليلي، بالاعتماد على التاريخ المرضي وحده. أما النوع الرابع "اضطراب الأحلام الحركي السلوكي"، فهذا الاضطراب غير حميد يصيب عادة كبار السن. والاضطراب يصيب الرجال أكثر من النساء ويظهر أكثر عند المصابين بالأمراض العصبية المركزية التنكسية مثل مرض الباركنسون (الرعاش) أو بعد جلطات الدماغ أو إصابات الرأس الشديدة. وتشابه أعراضه إلى حد كبير أعراض الصرع الفصي الجبهي الليلي. علاوة على ذلك وجد في استفتاء طبي حديث أن هناك 34٪ من مرضي "صرع الفص الجبهي الليلي" يعانون من اضطرابات خطل النوم. ولهذا ربما يكون واحداً من أكبر التحديات لدى كثير من الأطباء المختصين التفريق بين الصرع الليلي وخطل النوم. طرق التشخيص: ولأن روايات شهود العيان لهذه الأحداث غالباً ما تكون فقيرة ولا تساعد في التفريق بين الصرع واضطرابات خطل النوم، لهذا مطلوب في كثير من الأحيان أن يقوم الطبيب المعالج بإدخال المرضى الذين يعانون من هذه الأحداث الليلية المتكررة لوحدة مراقبة الصرع أو أرسال المريض لمركز متخصص وذلك لعمل رسم كهربائي للدماغ المصاحب للفيديو لمدة 24 ساعة وذلك غالبا يساعد في تشخيص حالة المريض. ومع ذلك، يظل هناك بعض الأحداث الليلية الطفيفة، سواء بسبب الإثارة أثناء اضطرابات النوم أو النشاط الصرعي، يصعب التفريق بينها وبين خطل النوم لأن الأعراض تكون متشابة جداً. * أخصائي أعصاب الأطفال والصرع مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الفريق الطبي يراقب المريض خلال النوم بصورة متواصلة في وحدة مراقبة الصرع د. عيسى حبيب المشموم *