ما شدني للكتابة عن هذا الموضوع هو تذكري لأهم جملة تتعلمها ونحن في مشروعات التخرج هي أن ما ينتج من مشروعات عمرانية هو يعود لإسعاد مواطنينا وتطويرهم وتطوير أفكارنا في مجال المشروعات العمرانية، بينما الواقع وبعد أكثر من 15 سنة خبرة ما زلنا نعيد ترتيب الأوراق بخصوص تطوير مدننا؛ حيث لا بد من تحليل أسباب ضعف مردود بعض المشروعات العمرانية على المدينة وعلينا على الرغم من كل ما ينفق فيها.. والمقصود بضعف المردود هو المردود العمراني اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.. ومن وجهة نظري أن هناك نقصاً في التنسيق وكثيراً من التشابكات والتداخلات بين الأجهزة والإدارات المنوط بها التخطيط والتنسيق على مستوى الجهة التي يتبع لها هذا المشروع والإدارة التابعة لها المتعايشة مع التنفيذ على مستوى المدينة.. وذلك ينطبق على كثير من مدننا، وإن كان واضحاً جداً على مستوى المدن الخمس الكبرى.. قد يكون السبب عدم تحديد الأدوار بالدقة الواجبة.. وقد يكون قصوراً وفقداناً للجهة المتابعة لتنفيذ هذه المشروعات وربطها مع بعض، حتى وإن وجدت مجالس المناطق مع المجالس البلدية وحتى بعض الهئيات التطويرية فكلها في نظري صورية.. وكثيرَاً ما نادى زملائي المخططون العمرانيون بضرورة إعادة النظر في التقسيمات الإدارية للمناطق لتتشكل بصورة أفضل، وتكون لديها الإمكانات والميز النسبية لتكوين كيانات اقتصادية واجتماعية متطورة بتطور العمران الذي تعيش به وتلك قضية أخرى قد أتطرق إليها مستقبلا في مقال مستقل. نعود إلى مشروعاتنا العمرانية التي يجري تنفيذها في مدننا وتشكل معظمها هوية هذه المدن التي كثيراً ما لا يتم مناقشتها على المستوى المشاركة المجتمعية طبقا لما يقرره قانون التخطيط العمراني عند التفكير به.. أو على الأقل عند مراحل الاعتماد بل أغلب مشروعاتنا تتم بالتمرير وليس بالنقاش والمعايشة.. وكثيراً أيضاً ما يتم إسنادها بعد طرحها من الوزارات المتمركزة في العاصمة، ويصبح دور الإدارات التابعة لها في المدن هامشياً في مرحلة التنفيذ وتتسلم المشروعات لتديرها، وقد لا تكون قد أعدت الكوادر القادرة على إدارتها وصيانتها لتنعكس هذه المشروعات على ساكني المدن من جميع النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية... إلخ من جوانب الحياة الأخرى. لا بد لأي تنمية عمرانية في إطار مدننا أن تضيف لمن يسكنها فوائد عند تعايشه معها، وفي تصوري يقاس تطور الفرد بتطور المدينة التي يقطنها؛ لذا تظهر لنا الفوارق بين الأشخاص باختلاف مدنهم، ولا أريد أن أطرح أمثلة توضح الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين أفراد مجتمعنا؛ لأنها سوف تفهم بالشكل الخاطئ والبعيد عن هدف المقال. حقيقة ما يتم على أرض الواقع من مشروعات عمرانية لا ينكرها عاقل.. يلزم أن تأخذ حقها من النقاش والتنسيق ليصبح مردودها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أفضل على ساكني مدننا، وهذه رسالة لزملائي المخططين: أنتم من تقودون دفة التطوير في المجتمع بنتاجكم العمراني، فاحرصوا على الكمال، والكمال لله وحده.. ودمتم بود.