التاريخ المرئي هو ذاته التاريخ المقروء مع احتفاظ كل منهما بخواصه ومقوماته وجمالياته. وفي حوارات الثقافة يبدو لنا الأمران سيان؛ ذلك أننا نكون مشدودين في قراءة فكرٍ له مخارج حروف وصوتيات ولغة جسد، وإن افتقدناها في كتابٍ مهم مثل «حوارات القرن» الذي خرج في 816 صفحة مقسمة على ثلاثة أجزاء من إعداد ذات المُحاور الظاهرة والمؤلف الاستثنائي الأستاذ محمد رضا نصرالله، إلا أننا سنجد أنفسنا في تعايش تام مع ما اختزله المؤلف في مجلداته هذه. ولعلي سأستنتج هنا قبيل الاطلاع على هذا المشروع المهم أن يكون الوارد في هذه الأجزاء مضاف إليه الكثير من صُحف ذاكرة «رضا» التي لم يرها المشاهد، ومواقفه التي رافقت حواراته تلك؛ كونها تجيء اليوم مطبوعةً ورقيًا بعد مرور أكثر من أربعة عقود قضاها «رضا» خلف الشاشات المتلفزة يحاور، ويناقش، ويستجلب الأفكار، ويستحلب الرؤى، ويشارك ضيوفه الابتسامات والضحكات ويرسم لمن يشاهدونه مشهدًا ثقافيًا قلّما وجد على الساحة العربية مثيلًا له. لقد شملت الأجزاء جميع حوارات المؤلف مع جميع ضيوفه باختلاف المواضيع وتعددها بين الفكر والاستشراق والأدب والثقافة والفن والفلسفة والسياسة والتي بدورها شملت رموزًا أدبيةً وسياسية وفنية وظواهر إبداعية في جميع الأجيال الذين لحقهم في أواخرهم، أو الذين تمكنّ من محاورتهم في بداياتهم ولعلّ الكثيرين ممن استضافهم صار هو سببًا في نقلهم إلى المشاهد العربي لأول مرةٍ في تاريخهم عبر الشاشات. «حوارات القرن» كتاب سيعيد الأسماء الماجدة والمؤثرة والخالدة والصانعة لمحتوىً ثقافيًا فريدًا في نوعه ومتعددًا في أجناسه الأدبية إلى المشهد من جديد ولكن هذه المرة عبر القراءة التي سيكون لها الأثر البارز على الأجيال الحالية والمقبلة، ولعلّ أبرز من حاورهم «رضا»: حمد الجاسر، جاك بيرك، أدونيس، سعيد عقل، توفيق الحكيم، غازي القصيبي، عبدالرحمن بدوي، نجيب محفوظ، عبدالله الغذامي، الجواهري، مصطفى العقاد، محمد الماغوط، أحمد سوسة، عبدالله البردوني، نزار قباني، عبدالله العروي، محمد عابد الجابري، مريام كوك، عبدالحليم حافظ.. وآخرون. نصرالله: مشروعي استهدف تفتيت الصورة النمطية عن بلادي هؤلاء وغيرهم كانوا قد ظهروا معه عبر برامجه الحوارية الأكثر شهرة طوال العقود الأربعة الماضية على الشاشات العربية: «هكذا تكلموا، مع المشاهير، ستون دقيقة سياسية، ما بين أيديهم، خارج الأقواس، الكلمة تدق ساعة، هذا هو». هذا المشروع وبهذه الأهمية لا بد وأنّه سيسهم في إعادة تهيئة المشاهد العربية لتلقيه كما يليق به، ومن المؤكد أن يكون مادة مرجعية مهمة سيستفيد منها القرّاء والباحثون. وقد سعت «الرياض» لمحاورة المؤلف «محمد رضا نصرالله» لمعرفة مشاعره بعد خروج هذا المشروع العملاق والفريد من نوعه، والتقته في حوارٍ قصيرٍ استطاعت من خلاله أن توثق فرحته بهذا المنجز، وتتعرف على الدوافع لنقله هذا المشروع من الشاشة المرئية إلى الأوراق المقروءة بعد مضي كل هذه العقود، فإلى نص الحوار: * ما هي مشاعركم بعدما أمِنتم على كنز حواراتكم الثمين من التسرب والضياع، إثر تحوله لمجلدات مطبوعة؟ o سعيد جدا بذلك، فما فرّغته منشورا في ثلاثة أجزاء ضخمة، ربما يعود إليه الباحثون وطلاب الدراسات العليا، في الجامعات ومراكز الأبحاث، ممن يتغيون دراسة قضايا الفكر والإبداع المعاصر، من خلال اطلاعهم على أجوبة أولئك المفكرين والمبدعين الذين عبروا عن استفاقة المجتمعات العربية بعد الحربين العالميتين، وقد تبلورت مشروعاتهم الفكرية، وتجاربهم الجديدة في الشعر والرواية والكتابة النقدية. ومصدر سعادتي ما ترى من تقبل القراء والأدباء والمثقفين -في تويتر- لما قمت به.. علمًا بأن ما حداني إلى تقديم برامجي سواء في التلفزيون السعودي، أو محطة mbc هو إيماني المبكر، منذ سنة 1978 م بدور الثقافة والإبداع (القوة الناعمة) في تعديل الصورة النمطية عن بلادنا، التي ظلمتها أدبيات الرحلات الأوروبية، والكتابات الصحفية الأجنبية الغربية، أيما ظلم.. ومع الأسف فقد امتد هذا التأثير المجحف في كتابات بعض الكتاب العرب، ممن قسم العرب إلى دول شمال وجنوب، ومجتمعات متقدمة وأخرى متأخرة، وثقافة عقلانية في الغرب العربي، وعرفانية في الشرق العربي، وكذلك ثقافة حضر وبدو، وأزعم أني حاولت بمشروعي التلفزيوني ذي الألف ساعة، على تفتيت هذه الصورة النمطية المتخيلة. * ما الذي تراه دفع بكم مؤخرًا لإخراج حوارات متلفزة إلى ورقية؟ o منذ سنوات وكثير من القراء ومشاهدي البرامج الثقافية التلفازية، في داخل المملكة والعالم العربي، يلحون في طلبهم علي، بأن أوثق الحوارات التي سجلتها مع أبرز المفكرين والأدباء والمبدعين وبعض السياسيين، سعوديًا وعربيًا وعالميًا.. خاصة وأن التسجيل معهم بدأ في الوقت الذي بلغت فيه النهضة الفكرية والإبداعية -عربيًا- ذروتها، قبل أن تخضع مجرياتها الراهنة لمؤثرات الثورة الإلكترونية (العولمية) مما ساعد على شيوع مد نمطي من الفكر في التنظير، وتراجع فن تاريخي عظيم كالشعر والمسرح، وتغلب الإصدارات الروائية -خاصة- التي أصبح كتّابها من الجنسين في الغالب لا يراعون الشروط الفنية لاقتحام هذا الفن (الملحمي)، والحمد لله أن وفقت إلى ذلك مؤخرًا، عندما وجدت دار نشر عربية مرموقة متحمسة لطباعته، تمنيت أن تعرض علي مؤسسة ثقافية أو إعلامية سعودية هذا! على أي حال قمت بتفريغ هذه المادة سيرًا على نهج أستاذ الإعلام السعودي صديقنا الراحل: د. عبدالرحمن الشبيلي، الذي طالما طلب مني تفريغ ما سجلت من مقابلات، حيث سبقني -رحمه الله- إلى تفريغ كل مقابلاته تقريبًا، التي أجراها مع شخصيات تاريخية سعودية، حين كان مديرًا للتلفزيون السعودي. مع الناقد العربي د. شكري عياد وحوار مع الروائي الحاصل على نوبل نجيب محفوظ حوار مع د. برهان غليون وحوار مع المفكر الجزائري محمد أركون المفكر اللبناني علي حرب والراحل محمود ياسين مع نصرالله مع المفكر والشاعر العربي الكبير أدونيس نزار قباني مع نصرالله حوار مع الشاعر الكبير سعيد عقل مع توفيق الحكيم الحوار الوحيد عربياً المتلفز مع الفيلسوف العربي د. عبدالرحمن بدوي الباحثة د. عائشة عبدالرحمن «فتاة الشاطئ» خلال حوارها مع محمد رضا المفكر الكبير د. محمد عابد الجابري في جولة في الرياض بصحبة نصرالله