شهدت تايلاند اهتماما بالغا من جانب الولاياتالمتحدة خلال الأشهر الأخيرة، بعدما أعرب المسؤولون التايلانديون عن شكواهم بصورة غير علنية العام الماضي من أن كبار مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن لا يهتمون بزيارة بانكوك أثناء زياراتهم للمنطقة. ويقول موراي هيبرت، وهو واحد من كبار الباحثين في برنامج جنوب شرق آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، إن من مظاهر الاهتمام الأميركي قيام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بزيارة بانكوك في يوليو الماضي، بعد شهر واحد من زيارة وزير الدفاع ليود أوستين. ووقع بلينكن بيانا مشتركا بشأن تحالف استراتيجي مع نظيره التايلاندي، بينما سعى أوستين لتعزيز العلاقات العسكرية بين الدولتين. وقبل ذلك بشهر، شارك رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان- أوتشا في قمة عقدت بواشنطن، مع الرئيس جو بايدن وقادة دول جنوب شرق آسيا. وفي يونيو الماضي، انضمت تايلاتد إلى 12 دولة في التوقيع على إطار اقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، تقوده الولاياتالمتحدة، وهو منصة تجارية متنوعة سيتم التفاوض بشأنها بين الشركاء خلال الأشهر ال18 المقبلة. ويضيف هيبرت في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن واشنطن بدأت فجأة تعويض الوقت الذي أضاعته بالنسبة لتايلاند. ويبدو أن إدارة بايدن قررت عدم السماح لأجندتها الخاصة بالديموقراطية وحقوق الإنسان بأن تطغى على الاعتبارات الاستراتيجية في تعاملاتها مع بانكوك. وبدأ المسؤولون الأميركيون يقومون بزيارات مرة أخرى بعد رحيل إدارة ترمب التي لم تكن تعتبر جنوب شرق آسيا أولوية كبرى بالنسبة لها، وبعد أن بدا انتهاء أسوأ ما سببته جائحة كوفيد -19. وقد تغيرت الصورة الدبلوماسية بشكل كبير، حيث يأمل التايلانديون الآن في أن يقوم بايدن بزيارة بلادهم في نوفمبر المقبل عندما تستضيف تايلاند قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك). ويتساءل هيبرت: "هل عادت علاقات أميركا مع تايلاند إلى مسارها الطبيعي بعد أن حادت عنه لفترة من الوقت، منذ انقلاب عام 2014 في تايلاند، عندما تجنبت واشنطن الزمرة العسكرية في بانكوك؟. ويضيف أنه في السنوات التي أعقبت الانقلاب، ركزت أميركا أكثر على الدول المجاورة مثل فيتنام والفلبين، وهما الدولتان اللتان تمثلان الواجهة أمام التصرفات العدوانية للصين في بحر الصينالجنوبي. واتجهت تايلاند أكثر نحو الصين، التي توافقت بسعادة مع قادة المجلس العسكري الذين يتجنبهم الكثيرون في الغرب. وبسرعة، ولتذكير واشنطن بأن هناك دولة عظمى أخرى تهتم بتايلاند، سارع وزير الخارجية الصيني وانج يي بالتوجه إلى بانكوك فيما بين زيارتي اوستين وبلينكن للاحتفال بالذكرى العاشرة للشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة، بين بانكوك وبكين. وفي الدوائر الدبلوماسية تعتبر أي شراكة تعاونية استراتيجية أعلى شأنا من مجرد شراكة استراتيجية، وهو اختلاف يقلل المسؤولون الأميركيون من أهميته. ما زالت الصين شريكا تجاريا لتايلاند أكبر بكثير من الولاياتالمتحدة، على الرغم من ارتفاع سقف التجارة الأميركية - التايلاندية أثناء جائحة كوفيد -19. وما زالت استثمارات الشركات الأميركية في تايلاند تزيد كثيرا عن استثمارات الشركات الصينية، ولكن ما زالت شركة هواوي الصينية عاملا أساسيا في بناء شبكة الجيل الخامس (جي 5) في تايلاند. وتتمتع تايلاند بسهولة الوصول إلى الأسواق الصينية من خلال اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي تستبعد الولاياتالمتحدة. وليست هناك اتفاقية تجارية لتايلاند مع الولاياتالمتحدة، على الرغم من أنها وافقت على بدء مفاوضات تشمل الولاياتالمتحدة في الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. يذكر أن تايلاندوالولاياتالمتحدة دولتان حليفتان منذ وقعتا معاهدة الدفاع الجماعي لجنوب شرق آسيا في عام 1954، ودعمت تايلاند الجهود الحربية الأميركية في فيتنام من خلال توفير الجنود والسماح باستخدام القواعد الجوية التايلاندية. وفي عام 2003 اعتبرت واشنطن بانكوك حليفا رئيسيا غير عضو في الناتو في الحرب الأميركية ضد الإرهاب. ولكن مع مرور السنين، أصبحت تايلاند تنتقد الولاياتالمتحدة لعدم دعمها بانكوك أثناء الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت في عام 1997، وانتقادها للمؤسسة العسكرية بسبب سلسلة من الانقلابات - آخرها الانقلاب الذي وقع عام 2014 - وإعرابها عن القلق بشأن التجاوزات بالنسبة للعمالة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية. ومثل كثير من دول جنوب شرق آسيا المجاورة لها، تشعر تايلاند حاليا بالإحباط بالنسبة لبكين وواشنطن وتسعى إلى إقامة توازن في العلاقات بينهما. وفي الوقت ذاته، تسعى بانكوك إلى حماية نفسها بتطوير علاقات أكثر قربا مع دول المنطقة مثل اليابان والهند. واختتم هيبرت تقريره بالقول إنه يبدو أن تايلاند تسعى إلى أن تكون هناك شراكة مع الولاياتالمتحدة أكثر من مجرد ترتيب تحالف. ولتحقيق ذلك، سوف تحتاج الدولتان إلى إيجاد طرق لبناء الثقة، والتعرف على فرص التعاون من خلال إقامة علاقات اقتصادية أكثر قربا، ومواجهة الهجمات السيبرانية التي تهدد الأمن، والسعي إلى توفير المساعدات لمواطني ميانمار الذين يعانون منذ 18 شهرا من حرب أهلية وركود اقتصادي.