التواشج العميق والفريد الذي ظهر في ملتقى الأدباء الذي احتضنته محافظة الطائف المأنوس قبل أيام؛ تواشج يذهب بآمالنا إلى فضاءات أرحب، ويعزز القناعة بأن الثقافة بمفهومها العميق الشامل ضرورة مجتمعية وليست من نوافل الممارسات. فالثقافة منذ أن انطلقت رؤية 2030 وهي ضمن نسيجها وأهدافها التي أكدت على جعلها نمط حياة من شأنه أن يساهم في جودة الحياة. ولذا فإن التحرك اللافت لهيئة الأدب والنشر والترجمة منذ تأسيسها في 2020م بدا واضحاً من أهدافها أن تنهض بمهام إدارة هذا القطاع "الأدب والنشر والترجمة" وتنظيم الثقافة، بما يساهم في تحقيق تطلعات الرؤية الطموحة والاستراتيجية الوطنية للثقافة، وتفعيل دورها في النمو الاقتصادي، وتمكينها من تعزيز مكانة المملكة الدولية. وقد نجحت الهيئة في إعطاء رسالة واضحة وصادقة عن هذا الاتساع لأدوار وزارة الثقافة، من خلال جمعها للأدباء والمثقفين في مدينة الطائف، وما تمثله من رمزية وخصائص ثقافية، وعراقة أدوارها وقيمتها التاريخية؛ كونها موئل الأدب والشعر، وحتى النقد في أبهى تجلياته، منذ أن نُصبت خيمة النابغة الذبياني للتحكيم بين الشعراء. ولعل اختيار الطائف، والتوءمة التي حدثت في هذا الملتقى بين هيئة النشر وأكاديمية الشعر العربي، كانا موفقين ومدروسين؛ فهذه الأكاديمية الفتية تسعى لأن تؤكد حضورها وترسيخ جماليات الأدب عبر الكلمة والقصيدة باعتبار أن مملكتنا موئل اللغة وميدان الجمال اللغوي والشعري الفسيح. وقد بدا الملتقى في صورة جلية لهذا التمازج والإدراك لخصوصية لغتنا العربية الثرّة، وكذلك إرثنا وتاريخنا الضارب حضارة وإنسانية، ولقيمة وأهمية الأوراق التي جرى تدارسها في الملتقى بين النقاد والأكاديميين ولفيف من المثقفين والمهتمين باللغة والشعر والثقافة عموماً؛ فقد ظهرت علائم الرضا ومشاعر الارتياح والزهو بتاريخ هذه الأرض وتجذر الجمال فيها، وزادت مساحات اليقين بأن الثقافة في وطننا الطموح ومجتمعنا الحيوي تسير بخطى واثقة ومستبصرة بمستقبل أنصع وأكثر بهجة، وحضور محلي وعالمي، وتأثير وتأثر بنا، وتبادل حضاري مع الآخر البعيد.