بي شينغ. هل سمعت هذا الاسم من قبل؟ غير ممكن، فهو صيني عاش عام 1000م، لكن يجدر بنا أن نعرفه لأنه ممن سبقوا عصرهم بكثير، فقبل أن يخترغ الألماني يوهان غوتنبيرغ الطباعة المتحركة بأربعمئة سنة والتي أحدثت ثورة في الكتابة والنشر ومهدت الطريق لآلات الطباعة الحديثة كان بي شينغ قد اخترع نظاماً للكتابة بغير اليد، وذلك بصنع قوالب حبرية وضغطها على صفيحة حديدية، وهذا للغة الصينية التي تحوي آلاف الحروف، وقد كان بي شخصاً عادياً وليس عالماً وُلِد لعائلة ثرية. نحن الآن في وقت متطور، فلماذا لم نرَ تاكسي جوي ينقلك لأي مكان فوراً؟ أو مصعداً عمودياً للفضاء الخارجي؟ أسئلة كثيرة، ولعلنا نعتقد أن السبب هو أن التقنيات اللازمة لم توجد بعد، لكن الحقيقة أن البشر يمكن أن يسبقوا أزمانهم. غير بي شينغ خذ مثالاً آخر من الصين القديمة. الصينيون القدماء كانوا أول من اخترع نماذج بدائية من الصواريخ الحربية، فصنعوا قذائف من الخيزران على هيئة غربان وحمّلوها بمسامير مسمومة وقذفوهم بالمجانيق، ولما وصلت إلى ارتفاع معين انفجرت وأطلقت المسامير الملتهبة السامة في كل مكان، وكان الانفجار يُرى على بعد عدة كيلومترات. رأى المسلمون تقنية متطورة صنعها الروم، حين أرسل معاوية جيشاً بقيادة ابنه يزيد للقسطنطينية كان هذا أول حصار للمدينة العريقة، واستخدم الروم سلاحاً جديداً اسمه "نار الإغريق" يشبه قاذفة اللهب، نار سائلة يقذفونها من الحصون لتحرق العدو، وجعلوا التركيبة بالغة السرية لدرجة أنه لمئات السنين لم يعرفها إلا الأسر المالكة وأحفاد المخترع، وإلى يومنا هذا لا يدري أحد ما هي المواد التي كوّنتها. في أحيان كثيرة تكون التقنيات متوفرة ولكن تمنع التكاليف العالية دون تحويلها إلى سلع للاستهلاك العام، وهذا السبب كان من أسباب فشل جهاز "مسج باد"، فعندما تتلفت اليوم وترى الأجهزة الذكية وقد انتشرت فإن مُلهِم هذا الهوس هذا الجهاز الذي أصدرته أبل عام 1993م وهو أبو الآيفون وإخوانه، ويحوي الكثير من المزايا مثل هاتف خلوي، تقويم، دفتر عناوين، ساعة عالمية، حاسبة، دوران الشاشة بزاوية 90 أو 180 درجة، ولكن فشل بسبب السعر العالي والحجم الكبير (الوزن نصف كيلو)، وأوقفت أبل تصنيعه. لهذا لا تظهر بعض الاختراعات العجيبة. التقنية موجودة، لكن الأرباح محدودة.