في مخيلة كل قارئ، أو ناقدٍ، أو مهتمٍ بالأدب، تلوح من وراء هذا العنوان تساؤلات عديدة، لعل منها مثلاً: هل الأدب في خطر؟! وكيف يكون الأدب في خطر؟! ومتى يكون الأدب في خطر؟! ولماذا الأدب في خطر؟! أسئلة عديدة تحتاج وقوفاً طويلاً، وشرحاً وتفصيلاً، ليس هذا مجال إجابةٍ عنها، غير أن الذي جذبني نحو هذا العنوان متخصصان في ميدان الأدب والنقد: أحدهما غربي فرنسي، والآخر عربي سعودي، فأما الفرنسي فقد ألّف كتاباً كاملاً يحمل هذا العنوان، بينما استعمله السعودي متسائلاً، ضمن باب من أبواب كتابه، وكان الفرنسي متوجهاً إلى المنهج، في حين ركّز السعودي على الأجناس الأدبية، والجانب الفني. أما الفرنسي فهو الناقد والأكاديمي المشهور (تزفيتان تودوروف 2017م)، حيث ألّف كتابه (الأدب في خطر)، وترجمه: عبدالكبير الشرقاوي، وطُبِع في دار توبقال المغربية الطبعة الأولى عام 2007م، ودار الكتاب حول ما ينبغي أن تكون عليه الصورة الحقيقية للأدب، وليس كما هي عليه في النهج المدرسي، والطرائق التعليمية، ولعله اختصر جيداً رؤيته هذه في الصفحات الأولى من كتابه، عندما قال: "إن معرفة الأدب ليست غاية لذاتها، وإنما هي إحدى السبل الأكيدة التي تقود إلى اكتمال كل إنسان. والطريق الذي يسلكه اليوم التعليم الأدبي الذي يدير ظهره لهذا الأفق (هذا الأسبوع درسنا الكناية، والأسبوع المقبل سنمر إلى التمثيل) يجازف بأن يسوقنا نحو طريق مسدود، دون الحديث عن أن من العسير عليه أن يفضي إلى عشق الأدب". ف(تودوروف) يرى خطورة الأدب تكمن في قولبته منهجياً، أي في وضعه موضعاً تدريسياً يحيله على جانب من الوسائل التربوية، والأدوات التعليمية فحسب، دون النفاذ إلى قيمته الشعرية، وجمالياته الأدبية الأعمق؛ ولهذا عندما قدّم لكتابه قال: "لو ساءلتُ نفسي اليوم: لماذا أُحِبُّ الأدب؟! فالجواب الذي يتبادر عفوياً إلى ذهني هو: لأنه يعينني على أن أحيا.. فالأدب الأكثر كثافةً وإفصاحاً من الحياة اليومية.. يزودنا بإحساسات لا تعوّض، تجعل العالم الحقيقي أشحن بالمعنى وأجمل". أما الناقد والأكاديمي السعودي فهو الأستاذ الدكتور حمد الدخيّل، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث ألّف كتابه (في الأدب العربي الحديث) الذي طبعه نادي حائل الأدبي، عام 2000م، واشتمل على جملة من المقالات العلمية الرصينة، منها مقال بعنوان (هل الأدب في خطر؟!)، وجاء في هامشه أنه كُتب في العدد 1333، من صحيفة (المسائية) بتاريخ (29/4/1986م)، وقد يدلّ هذا التاريخ على أن الدخيّل كان أسبق من (تودوروف) في طرح هذه الخطورة ومناقشتها. وقد تميز الدخيّل في عرض الأسئلة وتفنيدها، من قبيل قوله: "هل الأدب في خطر حقّاً ونحن نرى الأندية الأدبية، والجمعيات الثقافية، والجامعات، تدعو إلى إلقاء المحاضرات الأدبية، وإحياء الأماسي الشعرية؟! .. إذن كيف يقال: إن الأدب في خطر، ولدينا ذلك الفيض من الإنتاج الأدبي شعراً ونثراً، يملأ أعمدة الصحف والمجلات، وكثيراً من أرفف المكتبات؟!.."، وقد أعطى الدخيّل في مقاله هذا إجابات وافية لتساؤلات كافية. وخلاصة القول: إن (تودوروف)، و(الدخيّل) توقفا عند مسألة خطورة الأدب من بابين: منهجي، وفني، فالأول يرى الأدب في تجريده من التأطير المدرسي، والثاني في تخليصه من الرداءة والهبوط، فمتى سَلِم الأدب من هذين المأزقين لم يعد في خطر!!