صدر قبل ثلاث سنوات كتاب الأديب والإعلامي والصحفي السعودي محسن علي السهيمي بعنوان (جدليات فكرية)، وهو كتاب جميل جداً ورائع، يتحدث عن المثقف ومفهوم القراءة، يطرح تساؤلات قلقة تارة، ويشتغل على إشكاليات متنوعة تارة أخرى، منها ما هو (ثقافي، جيوثقافي، فلسفي، فكري) استنهاضاً للحراك الفكري، وإسهاماً في خلخلة بعض المفاهيم القارة في الذهنية العربية. والكتاب يقع في نحو 121 صفحة، وهو صادر عن مؤسسة الانتشار العربي. في المستهل يقول مؤلف الكتاب محسن علي السهيمي تحت عنوان (أين يقع المثقف): لعل الصورة التي استقرت في الذاكرة الجمعية عن المثقف أنه ذلك الكائن المغاير الذي حاز نصيباً وافراً من مختلف الفنون، وسمت ذائقته إلى تخوم الإبداع الأدبي، وارتقت لغته إلى سماء الفصحى وطاف في فضاءات الثقافة والفكر والكلمة، ثم يرسم المؤلف كيف تشكلت صورة المثقف تحت تأثير الإعجاب به، لينتقل إلى المثقف النخبوي تحت عنوان جميل وهو (المثقف ناقداً ومنقوداً). يورد رأي الدكتور متعب القرني في كتابه (أطاريح... دينية فلسفية فكرية ثقافية سياسية) ليرفد نظرية خالد الحروب في كتابه (المثقف القلق ضد المثقف اليقين) لكن بشيء من التوازن والموضوعية، ثم ينتقل تحت عنوان (المثقفون يخربون محاضنهم بأيديهم) ليبين كيف برزت الأندية الأدبية في المشهد الثقافي والأدبي السعودي، وكيف استطاع المثقف السعودي أن يجد حاضناً لفكره وأدبه تشكل على هيئة الأندية الأدبية التي طالما أثير الجدل بخصوصها، فتارة نسميها الأدبية، وتارة أخرى الثقافية. علماً بأن الكتاب لافت للنظر ليس لمجرد عنوانه وإنما لمحتواه الثقافي الصرف أيضاً، والأستاذ محسن من المفكرين الذين يقرؤون بوعي ويكتبون بمسؤولية فهنيئاً له هذا النجاح العظيم، علماً بأن جدليات الكتاب كثيرة ولا مجال هنا لذكرها كلها غير أنه من الأفضل والمحبب للنفس أن نذكر ولو النزر اليسير مما فتح الله به على مؤلفنا القدير. في الفصل الخامس من الكتاب يتحدث المؤلف عن الصوت والظواهر تحت عنوان (جدليات مفاهيمية)، لم يخطر ببال الفيلسوف اليوناني سقراط مدى الأثر (غير الإيجابي) التي ستجره مقولته الشهيرة (تكلم حتى أراك) في العرب، فهو حينما قالها لذلك الشاب الصامت الواقف أمامه، المزهو بنفسه إنما أراد أن يستنطقه ليفك شفرة أفكاره. إنه كتاب رائع مليء بالمصطلحات، وقد كان من حسن حظي أن أقتني نسختي من المؤلف نفسه ثم أقرأها حتى أخرج بقراءة سريعة فاحصة لجدليات المشهد الثقافي العربي.