تحفل مملكتنا الحبيبة بتراث وإرث تاريخي ضخم ومعظمه مازال شاهدًا وماثلًا للعيان، ومن ذلك بلاد بِيدة (أبِيْدة قديمًا) أُنموذجًا يحكي صورة الأمس جاءت في مصادر المتقدمين وأمهات كتب السير والتاريخ وانحصر الاسم القديم اليوم في قرية تقع على وادي بيدة، أحد روافد وادي تُرَبة، بها مركز حكومي تابع لمحافظة القَرَى بمنطقة الباحة، يقول حمد الجاسر في كتابه -سراة غامد وزهران- والعامة تحذف الهمزة في أبيدة، وبلا شك تُعد منطقة أبيدة وما حولها ميدانًا لصناعة الفرسان كالشنفرى الشاعر الجاهلي صاحب لامية العرب المشهورة، وصاحب المثل المشهور (إنما النشيد على المسرَّة)، والذي كان يجوب الصحار والديار على ظهر فرسه اليحموم، ويروي لنا الإخباريون بأن قبره مازال بأرض الناصف (ربوة مرتفعة بالقرب من بيدة) ذكرهما ياقوت في كتابه "معجم البلدان" والبكري في كتابه "معجم ما استعجم": أبيدة والناصف من منازل بني سلامان من الأزد بالسراة. وسلامان اليوم قرية قُرب بيدة كما ورد اسم أبيدة عند الأصفهاني في كتابه الأغاني وقرنها بالناصف فقال: "روى الشنفرى لما أكثر الغارة على فهم قعد له أسيد بن خالد السلاماني وحازم البقمي بالناصف من أبيدة". قال الصحارى في كتابه الأنساب: "ثم إن الأزد لما خرجوا من جنتي مأرب حين أحسوا سيل العرم، حتى نزلوا الناصف من أبيدة، وهو واد فيما بين نجد والسروات في سند جبل السراة". جاءت أبيدة في كتاب "صفة جزيرة العرب" للهمْداني في أربعة مواضع، كما ذكرها الرداعي في أرجوزة الحج: ثم الكراع ولهن ريده ... ينسلن للمعلف من أبيده لورده قاربه عنيده ... لمنهل قد أمنت تصريده أشار إليها الزمخشري في كتابه "الجبال والأمكنة والمياه"، وقال عنها ابن المجاور في "تاريخ المستبصر" بقوله: وإلى أبيده فرسخ وهي قرية حصينة في واد نزه. تُعد بلاد أبيدة قديمًا من أشهر الأودية إنتاجًا للمزروعات والمحصولات، فتغنى بها الزمن الجميل لبهجتها، ونضارة أرضها، يقول الشاعر: فَمَا أَبيدةُ من أرضي فأسْكُنَها ... وَإِن تجاور فيها الماءُ والشجرُ. وعن بيدة التاريخية التي تغنى بها شعراء العرب قديمًا وحديثًا وذكرها غير واحد، يقول ساعدة الهُذلي : فجاء كُدُرٍ من حمير أبيدةٍ ... يمجُّ لُعاعَ البقل فى كلّ مشربِ. وقال عامر بن الطفيل يخاطب أنس الأكلبي: وبالنّقعِ من وادي أبيدةَ جاهرت ... أُنيسًا وقد أردينَ سادةَ خثعمَا. ويقول رجل من الأزد: وَمَشْتَانَا (أَبيدةُ) إنْ سَلِمْنَا ... نَحُلُّ الرَّهْوَ مِنْهُ والصَّعِيدَا وَيَشْرَبُ مَاءها مَنْ عَاشَ مِنَّا ... وَيَكْسُو تُرْبُهَا المَيْتَ الفَقِيدَا وقال الهمداني: وأدبَرَ عائذُ البُقميّ شدّاً ... يكدُّ الصمدَ والحزنَ الرَّجيلا وغادرْنا وغادرَ موليانا ... بقاعِ (أبيدةَ) الوغمَ الطّويلا كما اشتهرت بيدة قديمًا بإنتاج الصوف وعرفت ب (الجُب البيدي)، وإليها تُنسب (البِيديات) المعاطف الفاخرة والتي تُلبس فوق الثياب اتقاءً للبرد، كما اشتهر رمان بيدة كأهم المحاصيل الزراعية في المملكة، وقد تغنى بذلك شعراء المنطقة، يقول أحدهم على نمط الفلكور الشعبي (المسحباني): يا غرس رُمان بيدة ... طعمك لذيذ وحالي.