تتدفق قوافل الحجاج والعمار على المدينةالمنورة، حيث يلتقي الموسمان مع مطلع العام الهجري الجديد، وهو اللقاء الثاني هذا العام، طيبة الطيبة الأرض الطاهرة المقدسة، حكاياتها النورانية تخالج أرواح الزوار، وامتداداتها التاريخية تجاوزت خمسة عشر قرنا من الزمان، شرفت بسكنى خاتم الأنبياء واختيارها من الله سبحانه وتعالى منطلقا لنور الإسلام وعاصمة للتسامح والمحبة والسلام للعالم أجمع. وحي السماء يقلب الزوار صفحات التاريخ النقي، كلما اتجهوا صوب المآثر العطرة، المساجد والمواقع والأودية والجبال، يرهفون السمع لنداءات إيمانية، تذكي مشاعرهم وتخالط أرواحهم، وقوفا قبالة المواجهة الشريفة والمسكن الطاهر للنبي الكريم، وصلاة ودعاء في الروضة والحرم الشريف، وأجر عمرة في مسجد قباء الذي نزلت بقداسته الآيات، واستلهاما لأمجاد آل البيت والصحب الكرام في بقيع الغرقد الذي يضم الرفات الطاهرة لعشرة آلاف ممن حظوا بصحبة النبي الخاتم، ومقبرة الشهداء وسيدهم حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه -، وأحد الجبل الأشم، والأودية المباركة العقيق وبطحان، والخندق المنيع الشاهد على غزوة الأحزاب، وبئر عثمان الوقف الذي تتدفق مياهه حتى اليوم، والكثير من الأماكن التي كانت عرصاتها متنزلا لوحي السماء، يستهلون الزيارة بالصلاة في روضة من رياض الجنة ويسكبون العبرات في المواجهة الشريفة، ويتأملون سياج الحجرات المباركات، ومحراب النبي الخاتم ومنبره، ويتجولون في المعالم التاريخية والأثرية حيث يفوح عبق النبوة والذكريات العطرة من مساجد: القبلتين، والجمعة والفتح والغمامة والإجابة وأبي بكر الصديق ومصليات العيد، والميقات، ومواقع المعارك الشهيرة في الإسلام والمعالم الجغرافية المشهورة والمذكورة في السيرة النبوية والمصادر التاريخية والجغرافية كأحد وعير والجماوات، والأحمية كحمى النقيع وحمى الربذة ووادي العقيق ووادي بطحان ورانوناء ووادي القرى وغيرها من الأودية الكثيرة المشهورة. القصة الأولى يستذكر كل زائر لدار الهجرة القصة الأولى لاستقبال الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، حفاوة ومحبة وإيمان صدح بها الأنصار أهازيجا، لا يزال صداها يتردد حتى اليوم، وبقدومه الشريف يضع اللبنة الأولى لقيام الكيان الإسلامي العظيم ويؤسس لمرحلة تاريخية وثقافية وحضارية جديدة، ويشارك صحابته الكرام تشييد مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى ليكون مهوى القلوب والأفئدة، تتضاعف فيه الحسنات لتصل لأجر عمرة فضلا وخصيصة له، ليؤمه كل زائر لمأرز الإيمان، مسجد عظيم شهد على مر الزمان عناية واهتماما، جدده الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وزاد فيه، ولما اعتراه الخراب جدده عمر بن عبدالعزيز وأقام له مئذنة، وتوالت العمارة والتوسعات وصولاً لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - فمع المقدم الميمون لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - لطيبة الطيبة في السادس من رمضان لعام 1443ه كان إعلانه إطلاق أكبر توسعة في تاريخ مسجد قباء، وتطوير المنطقة المحيطة به، موجها بتسمية المشروع باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - ورفع المساحة الإجمالية للمسجد ل 50 ألف م2 بواقع 10 أضعاف مساحته الحالية، وبطاقة استيعابية تصل إلى 66 ألف مصل. البقيع والشهداء ويحث الزائر الخطى لزيارة بقيع الغرقد شرقي المسجد النبوي وهو مدفن أهل المدينةالمنورة من العهد النبوي حتى اليوم، وكانت تحيط به المزارع من الشمال والجنوب والشرق أما من الغرب فكان يفصلها عن الحرم الشريف مساكن ودور ومدارس حارة الأغوات، أما اليوم فهو ملاصق لساحات المسجد النبوي لا يفصلهما أي مبان أو منشآت، وكان نبينا الكريم كثير التردد على البقيع والدعاء لأهله، كما يحرص ضيوف الرحمن على زيارة الأماكن التاريخية والدينية من بينها جبل أحد الذي كانت على سفحه المعركة الشهيرة، ويضم ثرى المكان أكثر من سبعين شهيداً، منهم سيد الشهداء وعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبدالمطلب، ومصعب بن عمير أول داعية في الإسلام، وحنظلة بن عامر غسيل الملائكة، وعبدالله بن جحش، وشماس بن عثمان وعقيل أبن أبي أمية رضوان الله عليهم أجمعين. المساجد والمآثر كما يزور الحجاج والعمار والزوار مسجد الجمعة الشهير الذي شهد أول صلاة جمعة في التاريخ الإسلامي بإمامة النبي الكريم، حين أقبل من قباء متجهاً إلى المدينة، وأطلق عليه ‹›مسجد بني سالم›› لوقوعه في حي بني سالم بن عوف من الأنصار، وقيل عنه ‹›مسجد الوادي›› ومسجد ‹›عاتكة››، وهو يقع بين الطريق الرابط بين قباء ووسط المدينةالمنورة المسمى طريق قباء، كما يقصدون مسجد القبلتين أحد أبرز المعالم الإسلامية والذي شهد تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة أثناء الصلاة فيه، ويطلق عليه مسمى مسجد بني سلمة لوقوعه في قرية بني سلمة، ويقع المسجد على هضبة مرتفعة من حرة الوبرة في طرفها الشمالي الغربي، ويشرف على عرصتي وادي العقيق، وتحتضن مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري أو مسجد السجدة الواقع في الجهة الشمالية من المسجد النبوي، وسمي بمسجد السجدة لسجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه سجدة طويلة، ويقال له مسجد الشكر لسجود النبي فيه سجدة الشكر، ومن المساجد التي تزار مسجد الغمامة أو مسجد المصلى الواقع بالقرب من المسجد النبوي إلى الجنوب الغربي منه ويبعد نصف كيلو متر من باب السلام وكانت تصلى فيه صلاة العيدين حتى أواخر القرن التاسع، وإلى مسافة أمتار محدودة يطل مسجد الإجابة من الجهة الشمالية الشرقية للحرم الشريف، واشتهر هذا المسجد بهذا الاسم لحادثة رواها مسلم في صحيحه: «أن رسول الله أقبل ذات يوم من العالية حتى مر بمسجد بني معاوية، ودخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسّنة «الجدب»، وهو انقطاع المطر فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالفرق «الفزع « فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها»، ومن أهم المعالم التي يزورها القادمون إلى طيبة الطيبة المساجد السبعة وتقع في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبوة للدفاع عن المدينة عندما زحفت إليها قريش والقبائل المتحالفة في السنة الخامسة للهجرة فكانت الدعوات المستجابة للنبي الخاتم والمعجزات التي دونتها كتب السيرة والتاريخ. مسجد بني أنيف بئر العهن مسجد عمر بن الخطاب بئر غرس بقيع الغرقد مسجد علي بن أبي طالب