دخلت المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الاتفاق النووي في مرحلة الموت الإكلينيكي، لكن لا أحد يريد الاعتراف، إذ ترمي واشنطن الكرة في ملعب طهران، باعتبار الفرصة لن تبقى متاحة طويلاً، وترمي طهران الكرة في ملعب واشنطن، بأن طريق الدبلوماسية مفتوح، وتصرّ على اتفاقٍ يحقق لها مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، تُريد اتفاقاً وفق قواعدها، وأن تكسب كلّ شيء بورقة واحدة، وألا تقف واشنطن في طريقها، خصوصاً أنها لمست أن الغرب في ظل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها بعد أزمة أوكرانيا، ليس لديه القدرة على تحمل المزيد باندلاع حرب أخرى مع إيران. واستناداً إلى ذلك، يعارض النظام الإيراني التوصل لاتفاق عادل مع الغرب أو حتى مع جيرانه، كما لا يريد منه حلفاؤه أن يضع خطة إنقاذه بيد الغربيين، رغم قسوة الأزمات التي تواجه طهران. ومن هذا المنطلق تحاول إيران تحريك الجانب المعطل من دبلوماسية «الأولوية لدول الجوار» التي أعلنها وزير خارجيتها، في مساعٍ منها لعزل القوى الإقليمية عن ملف المفاوضات النووية، فهي لا تريد أن تكون لواشنطن اليد العليا في صوغ التفاهمات الإقليمية، وتريد أن يكون حوارها الإقليمي على أساس لعبة التفاوض التي تجيدها، وتحييد القوى الإقليمية عن نتائج الاتفاق النووي إنْ حصل، وسحب هذه القوى إلى مفاوضات ثنائية قائمة على «لعبة ورقة أمام أخرى». هذه السياسة الإيرانية المخادعة تعيها تماماً القوى الإقليمية والغربية على حدّ سواء، وتعي أن طهران بحاجة للاتفاق النووي والعلاقات الطبيعية الإقليمية أكثر من غيرها، حتى تخرج من أزمتها، فزيارة ويليام بيرنز لأرمينيا حليفة إيران، والتي تستعد لفتح حوار مع تركيا وأذربيجان، مؤشر لاستعداد واشنطن لمحاصرة طهران عبر إغلاق مشروعها الاستراتيجي «ممر الغاز شمال - جنوب»، ما يعني تصعيد العقوبات خارج المسألة النووية. فكلما هربت طهران إلى الأمام حتى لا تبدو في موقع المستسلم للإرادة الغربية والإقليمية، كانت عرضة لضغوط أكثر، تصل إلى تهديد مصالحها الاستراتيجية. لذلك، إن التعويل على الحوار فقط لإنهاء الأزمة مع إيران غير دقيق، لأن في داخلها دولتين، دولة الحرس الثوري وأذرعته، ودولة المراوغات السياسية وسدنتها، وإن الحوار حتى وإن حقق بعض التقدم لن يُنهي سياسات طهران المزعزعة، لأن طهران تُدير مشروعاً كبيراً لا يمكنها التخلي عنه، حيث المشروعات التوسعية، والأحزاب الطائفية، والحركات الثورية، والميليشيات الإرهابية، وتشتيت مشروعات الحداثة.