لم تكن المملكة العربية السعودية بمنأى عن التأثيرات التي أصابت الاقتصاد العالمي، وما رافق تلك التأثيرات من ارتفاع غير مسبوق في سلاسل الامداد "اللوجستك"، ماتسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات حول العالم، وارتفاع نسب التضخم عالميا. وفي هذا الشأن، توقع أستاذ المالية والاستثمار في كلية الاقتصاد في جامعة الإمام الدكتور محمد مكني، أن يستمر التضخّم في النصف الثاني من العام الجاري، وربما يستمر في العام 2023 إذا لم تتوقف الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا، وقد يصل التضخم لدينا إلى 2.5% العام المقبل، ولا أستبعد أن يكون هناك دعم من الدولة لمواجهة أي تضخم قادم. وأشار، إن مشكلة التضخم هي مشكلة عالمية مستوردة، وليست محلية، وبالتالي أصبحنا في المملكة جزءاً من تلك المشكلة، إلا أن ما يميز المملكة أنها تعاملت مع التضخم بحرفية عالية، واستطاعت أن تجنّب الشعب السعودي الكثير من تداعيات التضخم العالمي، وهذا ما حرصت عليه المؤسسات الحكومية في المملكة، التي تعاملت بشكل سريع مع المستجدات العالمية، وراقبت الأسعار، ووفّرت السلع في الأسواق، وحاربت كل صور الاحتكار، حتى يكون التضخم عن أقل نسبة ممكنة. ونبه مكني إلى أوصاف التضخم الموسمي، وقال، يحدث هذا عند كثرة الطلب على سلع محددة في أوقات معينة، مثل كثرة الطلب على الأغنام في موسم عيد الأضحي، واللحوم والدواجن خلال شهر رمضان، ومثل هذا النوع من التضخم ينتهي بانتهاء موسمه، ولكن التضخم الذي لا ينتهي هو التضخم المستورد، الذي تكون أسبابه مرتبطة بحداث عالمية سياسية كانت أم اقتصادية، مثل الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا، وتداعياتها على العالم. وأشار مكني، إلى أن أسباب التضخم العالمية ترجع إلى ارتفاع أسعار التكلفة على المنتجين، مع ارتفاع أسعار النفط عالميا، وقال، ارتفعت تكلفة الشحن والخدمات اللوجستية، ما انعكس على الكثير من أسعار المنتجات العالمية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع من الخارج. وأضاف، أن خادم الحرمين الشريفين أصدر أمراً ملكيا بتخصيص 20 مليار ريال، لمواجهة تداعيات التضخم في أسواق المملكة، والرائع في الأمر أنه -يحفظه الله- خصص نحو نصف هذا المبلغ لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، في صورة دعم مباشر، يضاف إلى ذلك جهود وزارة التجارة في مراقبة الأسعار، وتلقي البلاغات عن أي تجاوزات من شأنها التلاعب في الأسعار، ومثل هذه الآلية تساعد في التصدي لأي استغلال أو تلاعب من بعض التجار الذين يسعون إلى الحصول على هامش ربح كبير، فمن المفترض من جميع التجار في ظل الأزمات العالمية، أن يكون أداؤهم مناسباً وفيه قدر من المسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وليس فيه أي استغلال للموقف الدولي. ودعا مكني، المواطن إلى الإلمام التام بآلية التعامل المثالي مع التضخم، وهذا دور الجهات المعنية، وعلى رأسها جمعية حماية المستهلك، التي ينبغي عليها أن تنصح المواطن بما يجب عمله أثناء التضخم المالي، لتجاوز هذه المرحلة بسلام، وتفعيل ونشر ثقافة الإبلاغ عن أي تجاوزات من قبل التجار، وتفعيل ثقافة البحث عن السلع البديلة الأقل سعراً، والعزوف عن شراء السلع مرتفعة الثمن. وتابع مكني، أن سياسية المملكة الاقتصادية تنطلق من مراعاة قرارات المركز الفيدرالي الأمريكي، وهي سياسة تجعل المملكة متواكبة مع ما يشهده العالم من سياسيات دولية، وتأتي بحكم ارتباط المملكة بالدولار، ومع ارتفاع أسعار الفائدة التي أعلن عنها المركز الفيدرالي الأمريكي أخيراً بمعدل 75 نقطة، وجدنا أن المملكة اتخذت إجراءات إضافية للحد من التضخم في الداخل، ومن سلبيات ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، ارتفاع كلفة القروض، وهو ما يدفع رجال الأعمال والمستثمرين للعزوف عن الاقبال على القروض، وهذا ينعكس على الشأن الاقتصادي للبلاد. وعاد مكني، ليؤكد أن المملكة تسير في الطريق الصحيح لتعزيز النمو الاقتصادي لديها، رغم ما يشهده العالم من ارتفاع كبير في التضخم. وقال، رأينا الإشادة بالاقتصاد السعودي وسياسته العامة في التعامل مع الأزمات، تصدر من المنظمات الدولية وتشيد فيها بما حققته المملكة في دعم اقتصادها.وقال، لم يكن للمملكة أن تحقق هذا الأمر لولا الاحتياطات المالية الكبيرة، والاحتياطات الضخمة من النفط، واستخراجه بكلفة أقل، فضلاً عن الاستثمارات الأجنبية المرتفعة في البلاد، يضاف إلى ذلك البرامج والخطط الاقتصادية التي جاءت بها رؤية 2030، وقدرتها في دعم الاقتصاد الوطني، وحمايته من أي أزمات عالمية.مشيرا، رغم الأزمات الاقتصادية التي تحيط بالعالم، فان المملكة تسجل حتى الآن المعدلات الطبيعية للتضخم ب 2.2%، ويعتبر التضخم في المملكة بمعدلاته الطبيعية رغم الأزمة وارتفاعه في العالم، وأضاف مكني، الى أن المملكة تطبق سياسات الدعم وخلق البدائل، وتتضمن دعم المنتج المحلي والاستثمار الغذائي السعودي دونما اعتماد على الاستيراد من الخارج. د. محمد مكني