وأنا أقلب صفحات كتاب (يوميات رحلة في الحجاز 1348 ه / 1930 / ) لغلام رسول مهر، وجدت نفسي قارئا لرحلة حاج أعادت لذاكرتي أدب الرِّحلات وهو نوع من الأدب ينقل فيه الكاتب الأحداث والمواقف التي واجهته أثناء رحلته، كما يمثل مصدرا مهما للجغرافيا لذكره الجبال والأودية والسهول والأنهار، كما يتناول الأحداث والمواقف التاريخية، ويتحدث عن الحياة الاجتماعية لسكان المناطق التي زارها الرحالة، ويمتاز أدب الرحلات بميزة استقاء الكاتب لمعلوماته من خلال مشاهد حية يعيشها وحقائق واضحة أمامه، والقارئ لأدب الرحلات يلحظ أن نسبة كبيرة من الأدباء والمؤرخين والمستشرقين تناولوا رحلاتهم للحج بأسلوب أدبي جمع بين الوصف والتعليق للمواقع والأحداث. وبالعودة لكتاب (يوميات رحلة في الحجاز 1348 ه / 1930 /) لغلام رسول مهر، ترجمة د. سمير عبدالحميد إبراهيم، والمطبوع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، وصدر عن دارة الملك عبدالعزيز في نحو مئة وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط، نتوقف أمام رحلة صحفي باكستاني" كانت أولى رحلاته إلى الحجاز مع وفد مجلس الخلافة سنة 1344 ه / 1925 م سكرتيرا لمولانا ظفر علي خان، الذي كان من بين أعضاء الوفد، ثم كان سفره الثاني بدعوة من الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في سنة 1348 ه / 1930 م حيث دون المؤلف يومياته في هذه الرحلة التي بين أيدينا". وتحدث المؤلف في بداية كتابه عن رحلته من لاهور إلى كراتشي في 29 إبريل، والعاصفة الترابية التي واجهته، ثم انتقل للحديث عن الرحلة من سماسته إلى كراتشي، ووصوله إلى معسكر الحجاج لإنهاء إجراءات التطعيم والتذاكر، ثم ركوبه للباخرة المتجهة إلى جدة، وأحاديثه وحواراته مع الركاب، ناقلا وصفا دقيقا لساعة وصوله إلى ميناء جدة ورسو السفينة على أرصفتها، ثم انطلاقته إلى مكةالمكرمة، قائلا: "انطلقنا من جدة حوالي الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل، ونظرا لظلمة الليل الحالكة لم أستطع معرفة أحوال الطريق"، "ولأن حركة السيارات كانت كثيرة نظرا لكثرة المسافرين من الحجاج فقد انبعث الغبار فغطى الجو". وبعد وصوله لمكةالمكرمة توجه صوب المسجد الحرام ودوّن عن مشاهداته قائلا: "كان آلاف الحجاج ينامون في صحن الحرم الشريف، وقفنا أمام الحجر الأسود، ونوينا طواف العمرة، وبعد الانتهاء من الأشواط السبعة، وقفنا عند الملتزم فدعونا الله، ثم ذهبنا إلى مقام إبراهيم، وشربنا من ماء زمزم، وذهبنا إلى الصفا، وفي ذلك الوقت أذن الأذان الأول للفجر، وكان المسعى بين الصفا والمروة مملوءا بالساعين الذين كانت ألسنتهم تلهج بالدعاء لله، ولم يكن يسمع من دعائهم سوى صدى اللهم أمين". وكما وصف المؤلف مواقع رحلته منذ خروجه حتى وصوله لمكةالمكرمة، وصف معاناته مع البعوض، قائلا: "لم نكد نشعر بلذة النوم حتى هوجمنا بجيش من البعوض"، وهذه الحملة "جعلتني أتذكر قول الشاعر ذوق: أهناك من يتعلم من طبع الشجاعة من البعوض ! حين يأتي لمص الدماء يطنطن في البداية البعوض ! " وإن أورد المؤلف معاناته مع البعوض فقد أورد الدعوة التي تلقاها من الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، لحضور الحفل السنوي والتي حضرها نحو خمس مئة شخصية من مختلف دول العالم واستمعوا جميعا لخطابه - رحمه الله - والذي بدأه بقول الحق تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} و"شرح كلمة التوحيد، ثم شهدنا قوة بيان السلطان، وما يتميز به من سحر خطابي .............. ، وأوضح السلطان وبين عقيدته، وقال نحن نسلم ونؤمن بالقرآن والحديث، وإرشادات الصحابة واجتهادات الأئمة الأربعة....". وذهب المؤلف للحديث عن مكةالمكرمة وما حولها فبين موقعها ومساحتها، وعدد سكانها، وأشهر مواقعها ومنها حي التنعيم وهو المكان الذي أحرمت منه السيدة عائشة رضي الله عنها، وموقع الحديبية الذي تناول صلح الحديبية ومبايعة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة قال تعالى:{ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}، واختتم المؤلف كتابه بالحديث عن جبل ثور، وسكان مكةالمكرمة، والحميدية والتكية المصرية، والمستشفى ودار الكسوة، ودار المؤتمر، ورباط البواهير (البهرة)، والقصر السلطاني، وشهداء التنعيم، وغيرها من المواقع، كما تناول الحديث عن الحج وتوافد الحجيج على المشاعر المقدسة. وأورد المؤلف إحصائية بعدد الحجاج في ذلك العام قائلا: "قدم هذا العام بالبحر 82 ألف حاج، وكان عدد حجاج أهل نجد 50 ألف حاج، في حين كان عدد حجاج اليمن والحجاز والشام والسودان أكثر من 82 ألف حاج بالإضافة إلى حجاج البلاد الأخرى، الذين يقدرون بحوالي 50 ألفا، ثم مئة ألف حاج من مكة، و25 ألف حاج من حول مكة من البدو والعربان وغيرهم، وهكذا ضم اجتماع عرفات نحو 300 ألف أو 400 ألف حاج". وفي الختام أقول إن الكتاب وإن كان يمثل رحلة حاج باكستاني، فإنه يبرز العديد من المواقف الصعبة التي كان يعيشها حجاج بيت الله الحرام أثناء أدائهم لفريضة الحج.