تمثل المملكة العربية السعودية نقطة ارتكاز لمنطقة الشرق الأوسط سواء على الجانب الأمني أو السياسي أو الاقتصادي، إلا أنها تعتبر أحد أقطاب منطقة الشرق الأوسط والتي يتنامى دورها لتصبح دولة مؤثرة على المحيط الشرقي في جميع المجالات. فمنذ أكثر من سبعين عاماً والولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية تتمتعان بعلاقات قوية وقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، حيث إنها بدأت عام 1933 عندما تأسست أو علاقات دبلوماسية كاملة مع ظهور بشائر إنتاج النفط، ومنح الملك المغفور له عبدالعزير بن عبدالرحمن آل سعود حق التنقيب عنه لشركة أميركية، لتتطور العلاقة إلى تحالف استراتيجي لها تأثيرها في القضايا الكبرى للشرق الأوسط رغم الاختلاف بين البلدين، فالولاياتالمتحدة تتمتع بنظام حكم جمهوري دستوري، بينما السعودية تطبق نظام الملكي المطلق الإسلامي المحافظ. إن السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية هي مصدر اهتمام لكل شخصية سياسية على مستوى العالم، وهي الأحداث التي تشد الملايين لمتابعتها وذلك لمعرفة ما يتم من سياسيات في الدولة الأقوى، ليكون الرئيس الأميركي محطة أنظار الجميع عند توليه القيادة والإفصاح عن أول القرارات التي قد يتخذها بعد جلوسه على كرسي الرئاسة الأميركية، إلا أن كُل رئيس له سياساته الخاصة والمختلفة التي غالباً لا تتفق مع من سبقه في الرئاسة، إلا أن الجميع يترقب وينتظر اللحظة التي يتم الإعلان فيها عن وجهة الرئيس الأميركي للدولة التي سيتم السفر إليها كأول دولة يزورها بعد توليه الرئاسة. إلا أن زيارات الرؤساء الأمريكان للسعودية مستمرة أكثر من 50 سنة والتي بدأها الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1974 والذي التقى بالملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- في جدة، ثم يليه جيمي كارتر الذي استقبله الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الرياض عام 1978، ليلتقي الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بجورج بوش الأب في ثلاث زيارات له للسعودية في 1990 و1991 و1992 والتي صادفت تلك السنوات الغزو العراقي للكويت، ثم يزور الرئيس بيل كلينتون المملكة في عام 1994 وكان باستقباله الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، ليلتقي الملك عبدلله بن عبدالعزيز -رحمه الله- برئيس أميركا جورج بوش الابن في 2008 بالرياض، وفي عام 2009 يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما المملكة ملتقيا بالملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بالرياض وتعتبر الأولى، ليلتقي بالملك سلمان بن عبدالعزيز في 2015 مقدماً العزاء له في وفاة الملك عبدالله، وعند تولي دونالد ترمب قيادة الولاياتالمتحدة عام 2017 كانت المملكة العربية السعودية هي أول محطات الرئيس الأميركي في زيارة خارجية وحضور قمة جمعته مع قادة 55 دولة عربية وإسلامية، والتي تحدث لأول مرة بأن تكون أول زيارة لرئيس أميركا لدولة عربية متخطياً كل الرؤساء السابقين، ليكن جو بايدن ثامن رئيس أميركي يقوم بزيارة المملكة العربية السعودية في 15 يوليو 2022، والتي ستكون الأولى له منذ توليه منصبه حيث يشارك خلالها في جدة قمة تضم قادة مجلس التعاون الخليجي. ثوابت مشتركة وعبر رئيس مركز ديمومة للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور تركي القبلان: لاشك بأن العلاقات السعودية الأميركية تأسست ونمت لتتطور إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية، وقائمة على ثوابت مشتركة منذ تأسيسها، هذا الأمر يترجمه حرص القيادتين في تعزيز فرص اللقاءات والزيارات التي تخرج دائماً بمخرجات تعزز التفاهمات بين البلدين في كثير من الملفات، ورغم التباين في بعض وجهات النظر بعض الأحيان الى أن الأمور تنتهي لمصلحة الشراكة والعلاقات بين البلدين ومن المتاح الوصول الى تفاهمات حولها، نظراً لسقف التفاهمات المرتفع والأفق السياسي الرحب في العلاقة، تأتي زيارة فخامة الرئيس الأميركي جو بايدن امتداد لزيارات سابقة لعدد من الرؤساء الأميركان للسعودية في ظل متغيرات عالمية تلقي بظلالها على منطقتنا وتحتم مثل هذا اللقاء لصياغة رؤية مشتركة من شأنها تحصين أمننا القومي وتراعي مصالح شركائنا الإستراتيجية. تحول مرحلي وأضاف: المراقب لأداء السياسة الخارجية السعودية يدرك أن استراتيجية المملكة تقوم على تنويع العلاقات بما يحقق مصالحها مع الاحتفاظ بامتياز الشراكات الاستراتيجية وعدم تعارضها مع المصالح الأخرى، وبالذات أن العالم يمر بشيء من التحول المرحلي نحو عالم جديد متعدد، من مصلحة الجميع قراءة هذا المتغير الذي بدأت معالمه تلوح في الأفق بما يعزز الأمن والسلم الدولي، وينهض بالعلاقات الاقتصادية البينية الى مجالات أرحب وبالذات أن العالم تأثر بفعل تداعيات كوفيد 19 على الاقتصاد العالمي، وقد قدمت السعودية نموذجا رائعا من مبادرات لتجاوز هذه التداعيات سواءً حين قيادتها لمجموعة دول العشرين، أو في ظل مهددات الأمن الغذائي العالمي اليوم بما يخفف على كاهل الدول المانحة عبء انعكاسات هذا الظرف على الدول الفقيرة والأقل استعدادا لمواجهته، ونتأمل أن تحقق هذه الزيارة ما ينعكس إيجاباً على أمن واستقرار منطقتنا ونزع فتيل التوترات بما يعزز الأمن الجماعي لدولنا. فكر سياسي أميركي وأكد الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ خالد الزعتر: أن زيارة الرئيس الاميركي إلى السعودية تكتسب أهمية خاصة لكونها تأتي ضمن أول زيارة يقوم بها الرئيس جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي بلا شك تأتي ترجمة لرغبة أميركية بأهمية رفع التنسيق إلى أعلى مستوياته والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي يتميز بها البلدين وتحمل هذه الزيارة معها تأكيداً أميركياً بالأهمية البالغة التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في الفكر السياسي الأميركي وتقديراً لدور الرياض الحيوي في تعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم، وأيضا هذه الزيارة للرئيس جو بايدن يراد منها إعادة تأكيد الاهتمام الاميركي بالمنطقة بخاصة في ظل ما تتمتع به السعودية من مكانة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، فالنظام الدولي يشهد الكثير من المتغيرات باتجاه نهاية الأحادية القطبية والتحول نحو النظام المتعدد الأقطاب، وفي خضم هذه التحولات ظلت منطقة الشرق الأوسط تحتفظ بأهمية قصوى على الصعيد الدولي فهو من أهم المناطق في العالم؛ نظراً لموقعه الاستراتيجي ولما يتميز به من ثروات طبيعية، أهمها النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى الممرات البحرية الأساسية التي تصل بين الشرق والغرب، وبالتالي فإن السباق الروسي والصيني نحو تعزيز وجودهم في منطقة الشرق الأوسط، يدفع الولاياتالمتحدة إلى إعادة تصحيح الخطأ الذي ارتكبته سابقاً عندما قللت من أهمية الشرق الأوسط وأبدت رغبة متزايدة للاستدارة نحو شرق آسيا على حساب الشرق الأوسط، وبالتالي فإن زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة وبخاصة السعودية يؤكد أن الإستراتيجية الأميركية تحاول إعادة ضبط بوصلتها وترى أنها بحاجة لإعادة بناء الجسور مع العالم العربي ولذلك فهي تدرك جيداً مكانة المملكة العربية والإقليمية وأن الطريق نحو الاحتفاظ بمكانة مهمة في هذه المنطقة، يمر عبر السعودية التي تعد الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة والدولة القائدة في المنظومة الإقليمي والعربية، وبالتالي فإن زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية سيتمخض عنها خروج الولاياتالمتحدة من حالة الكمون إلى حالة اكثر نشاطاً فيما يتعلق بملفات المنطقة وإعادة هيكلة الفكر السياسي والإستراتيجي الأميركي لإحداث توازن بين الرغبة الأميركية لتعزيز وجودها في منطقة شرق آسيا ووجودها منطقة الشرق الأوسط. تقارب سياسي وتابع قائلاً: لعل المتابع للسياسة الأميركية يجد انها كانت تعمل على خلق أرضية خصبة للتقارب السياسي مع المملكة العربية السعودية وبخاصة في الملف اليمني حيث أبدت واشنطن تأكيداً على أهمية دور المملكة الذي كان حاسما فى تحقيق الهدنة باليمن، كما لم تخفي واشنطن موقفها لدعم جهود المملكة في قيادتها للتحالف العربي لتحقيق أمن واستقرار اليمن، وجهود الحل السياسي التي تضع اليمن أمام فرصة حقيقية لإرساء سلام مستدام، ويحقق الاستقرار المأمول، فالاجتماع الإقليمي الذي تحتضنه السعودية يعكس مدى حرص المملكة على توحيد الصف العربي، وهو ما سوف يكون له انعكاسة على دفع السياسة الأميركي على إعادة تصحيح موقفها تجاه العديد من القضايا العربية، والمفاوضات الجارية مع إيران بما يخص الإتفاق النووي، حيث ستدرك الولاياتالمتحدة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أهمية الرؤية السعودية بشكل خاص و العربية بشكل عام تجاه الملف النووي الإيراني، وبالتالي ستجد الولاياتالمتحدة نفسها مجبرة على خلق حالة من التوازن بما يخص تعطيها مع الملف النووي وفق ما يخدم أمن واستقرار المنطقة. تعزيز نفوذ ونوه الزعتر قائلاً: لقد أضحت القضايا العربية ساحة للتنافس الدولي وقد وجدت بعض الدول فيها فرصة لتعزيز نفوذها على المستوى الدولي مثال روسيا وبعض الدول الأوروبية مثال فرنسا التي اظهرت اهتماماً بالتعمق في القضايا العربية، وبالنسبة للحضور الأميركي لعل المتابع يجده حضوراً باهتاً ولذلك فإن الولاياتالمتحدة بحاجة لصياغة رؤية سياسية جديدة تخدمها في تعزيز نفوذها في الملفات والقضايا العربية، ولذلك فمن شأن صياغة رؤية سياسية جديدة ان تعمل علي تحسين الصورة والسمعة الأميركية التي أظهرت فشلاً في السابق في إدارة الملفات والقضايا العربية وفق ما يخدم العمل على حلحلتها بدلاً من إطالة أمد هذه الأزمات. علاقات حقيقية وقال الكاتب السياسي الدكتور سامي المرشد: إن العلاقات السعودية الأمريكية تعود لثمانين عاماً، ولا زالت قوية، فهناك روابط مشتركة كثيرة تربط البلدين ببعضهما، فمنذُ اللقاء التاريخي لمؤسس الدولة السعودية الثالثة عبدالعزيز آل سعود -غفر الله له- مع رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية آنذاك روزفلت إلى هذا اليوم والعلاقة مستمرة لما فيها مصلحة الشعبين الصديقين وكذلك مصلحة أمن واستقرار المنطقة والسلام العالمي، أن علاقات المملكة هي علاقات حقيقة وراسخة ولسيت علاقات طارئة ولا تتأثر بالتغيرات والاعتبارات السياسية داخل الولاياتالمتحدة، لذا نلاحظ ان العلاقة مهما مرت بفترة خلافات على عدة ملفات إلا انها تبقى ثنائية متجذرة لما تولي قيادة المملكة العربية السعودية وحكمتها وصبرها على ما يخدم مصالحها ومصالح شعبها وأيضا مصالح الأمتين العربية والإسلامية، فالقيادات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض تدرك هذه الحقيقة تماماً وهي حريصة كل الحرص على استمرار هذه العلاقة، لذا نلاحظ أن كل الرؤساء الأميركيين يزورون المملكة العربية السعودية بعد استلامهم لمناصبهم في البيت الأبيض على الأقل مرة واحدة وفي كثير من الحالات مرات عديدة في العام الواحد وهذا أيضاً ويدل على أهمية ومركزية دور المملكة السياسي والاقتصادي وزعامتها لقطاع الطاقة بالعالم وحكمة سياستها النفطية التي دائم تراعي مصالح الدول المنتجة والدول المستهلكة وتدعم تعافي الاقتصاد العالمي وتضحي أحياناً من أجل ذلك. وضع النقاط على الأحرف وتابع المرشد: المملكة والولاياتالمتحدة الأميركية ينظران إلى هذه العلاقة باهتمام كبير وجدية، فمن الطبيعي بين أي حليفين أو شريكين تتم بعض الخلافات أحياناً ليس كما ذُكرت على العلاقات الثنائية وإنما في ما يتعلق بأمور المنطقة، فعلى سبيل المثال تصرفات إيران ودعمها للإرهاب ومحاولة تصدير ثورتها المشؤومة وتدخلها في شؤون الدول المجاورة ودعم الميليشيات بأسلحة متطورة لاتؤثر فقط على المنطقة بل على دول الخليج بل على السلام العالمي، لذلك تختلف أحياناً وجهات النظر في كيفية معالجة هذا الموضوع ولكن الآن واضح ان الولاياتالمتحدة عادت إلى وجهة السعودية القائلة بأنه يجب الوقوف بحزم أمام هذه التدخلات الإيرانية وأمام هذا الدعم للميليشيات وان تكف عن محاولتها للحصول على الأسلحة النووية المحرمة في منطقة الشرق الأوسط، والولاياتالمتحدة الاميركية حتى قبل وصول الرئيس الأميركي بايدن إلى جدة أكدت على ذلك وهي وجهة نظر المملكة، فالمملكة ومكانتها أيضا لقاء زعماء الخليج والعرب والتي ستجمعهم بعد القمة السعودية الأميركية، والتي تجمع عددا من دول الخليج وجمهورية مصر العربية والأردن والعراق، كما انه مهمة جداً لوضع النقاط على الحروف مع الولاياتالمتحدة ونظرتها واستراتيجيتها كشريك فاعل في لملمة أزمات المنطقة وحلها وإنهاء هذه السيولة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ومن جميع التدخلات الخارجية، إضافةً إلى موضوع القضية الفلسطينية وتأكيد المملكة على ان تقوم الولاياتالمتحدة بالضغط على إسرائيل لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية ومواقف المملكة واضحة في هذه المواضيع، وعلاقتها مع الولاياتالمتحدة الاميركية مهمة ومستمرة في مكافحة الإرهاب أيضاً في دعم الاقتصاد العالمي وفي التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين. علاقات قوية ويذكر الأستاذ خالد المطرفي: علينا أن نعي أنه على مدار ثمانية عقود (80 عامًا) الماضية من العلاقات السعودية الأميركية، كانت هناك خلافات كثيرة، لكن هذا لم يمنع البلدين من إيجاد طريقة للعمل معا، وأصبحت كل من الولاياتالمتحدة والسعودية حليفتين منذ وقت قصير من تأسيس المملكة في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، مع اكتشاف الشركات الأميركية النفط في وقت لاحق من هذا العقد. وتابع: نعم مرت هذه العلاقة بفترة من البرود والسخونة نتيجة نظرة التباين في بعض الملفات المحورية، إلا أن ذلك أمر طبيعي من وجهة نظري، وهو يعود إلى النظرة السيادية لكل دولة فيما يتعلق بملفات أمنها القوي، والعلاقات بين الرياضوواشنطن تندرج ضمن هذا الإطار. وأضاف: لا يمكن -بناء على تاريخ العلاقات بين البلدين- النظر لهذه العلاقة وفق إطار مشكلة أو قضية سياسية منفردة، وبعيدًا عن الإعلام، تؤمن المؤسسات السياسية الأميركية بأهمية إعادة توجيه العلاقات مع السعودية؛ ولذلك لثقلها السياسي والاقتصادي والديني ليس على مستوى المنطقة فقط بل على الخارطة الدولية أيضًا. وأشار إلى أنّ البيت الأبيض يؤمن أن استقرار منطقة الشرق الأوسط مرهون برؤية السعودية وقيادتها، خاصة في ظل الإرهاصات السياسية والعسكرية التي تقوم بها إيران في المنطقة، وشخصيًا تابعت تحليلات كثيرة سواء الصادرة من الصحافة الأميركية أو الدولية، والتي أكدت على هذه الجزئية تحديًدا.