التراث الشفوي للإنسانية أو التراث اللامادي قيمة ثقافية وكنز إنساني تعمل الدول والمجتمعات معا للحفاظ عليه كموروث تاريخي ثقافي وعدم السماح باندثارها أو نسيانها لكونها تشكل هوية هذه المجتمعات وديمومتها. ظهر 'التراث الثقافي اللامادي للإنسانية' في بداية سنوات 1990، بعد التوصيات التي قُدمت عام 1989 حول حماية الثقافات التقليدية، للعمل على صونها باعتبارها جزءا من التراث الثقافي المتوارث، والذي ينمي الإحساس بالهوية الوطنية لدى المجتمع، ويعزز احترام التنوع الثقافي فيه والقدرة الإبداعية لديه. وتحظى المملكة العربية السعودية بتنوع ثقافي واسع في مجال التراث الثقافي غير المادي، وقد نجحت في تسجيل 8 عناصر لها على قائمة اليونسكو، وهي العرضة والمزمار والقط العسيري كعناصر منفردة، والصقارة والمجلس والقهوة العربية والنخلة والسدو كعناصر مشتركة مع دول أخرى. ومن أكثر المناطق شهرة بالتراث غير المادي عسير وجازان جنوب المملكة، وأيضًا في المنطقة الشرقية بالأحساء، والمنطقة الغربية في العلا والمدينة المنورة ومكة والطائف. بذلت المملكة جهودا جبارة على الصعيد الدولي والمحلي في الحفاظ على ذلك التراث حيث عمدت إلى إحداث هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة التي تتولى المهام والاختصاصات المختلفة في سبيل تنظيم وتطوير قطاع التراث، مثل رسم استراتيجية التطوير ومتابعة تنفيذها والترخيص للأنشطة ذات الصلة، إلى جانب تشجيع التمويل والاستثمار في القطاع. كما تقدم الهيئة الدورات التدريبية والبرامج المهنية، إضافة إلى دعم حماية حقوق الملكية الفكرية في المجالات ذات العلاقة بالتراث، ودعم وتشجيع المبادرات التي تهدف للحفاظ على التراث بشكل عام، وغير المادي بشكل خاص من أجل تعزيز دور الفرد أو المجتمع المحلي في أن يؤثر ويساهم في الحفاظ على التراث. ومن أبرز المشاريع الحالية للهيئة مشروع ترميم القصور التراثية في وسط الرياض، ومشروع ترميز مباني التراث العمراني، مركز حماية التراث الثقافي، مشروع توثيق المنشآت الحجرية، مشروع تأهيل درب زبيدة التاريخي، تسجيل عدد من المواقع في قائمة التراث العالمي، تطوير السجلات الوطنية للآثار والتراث العمراني والتراث الصناعي، وغير ذلك من المشاريع. كما أسهمت المملكة في عدد من البرامج الثقافية، واعتمدت اليونسكو أول خبيرتين سعوديتين، وهما: رهاف قصاص وابتسام الوهيبي، ضمن شبكة خبراء التراث الثقافي غير المادي، كما طرحت المنظمة عددًا من الفرص والمبادرات التي ترغب بتفعيلها في أراضي المملكة من أجل الحفاظ على التراث. وقادت المملكة العام الفائت، ضمن جهود 16 دولة عربية في إقناع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بإدراج الخط العربي في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، حيث جاء هذا الإدراج مع توجه وزارة الثقافة السعودية إلى خدمة فن الخط العربي، الذي يأتي ضمن الفنون التي تخدم اللغة العربية. كما سعت المملكة هذا العام مع ثماني دول عربية لترشيح حرفة النّقش على المعادن للتّسجيل على القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي اللامادّي للإنسانيّة لدى منظمة الأمم المتّحدة للتربيّة والثّقافة والعلوم "اليونسكو". وتتميز المملكة بتراث غني ومتنوع، وثروة ضخمة من الموروث الثقافي، فهي تقع في ملتقى عدد من الحضارات والتيارات الثقافية المتقاطعة، مما أهلها لتكون إحدى أكثر الدول غنى في مجال التراث الثقافي. ويتجلى اهتمام القيادة الرشيدة بالتراث الثقافي اللامادي في رؤية المملكة (2030) التي تضع التراث الثقافي والحفاظ عليه نصب أهدافها، وهو ما انعكس في مبادرة «السعودية وجهة المسلمين» والاهتمام بسياحة الآثار، والتوسع في إنشاء المتاحف، وتهيئة المواقع السياحية والتاريخية والثقافية، وتنظيم زيارتها، إضافة إلى مشروع تطوير المتحف الوطني، ومتاحف المناطق، وإنشاء المتاحف في قصور الملك عبدالعزيز، والمباني التاريخية للدولة ناهيك عن الجهود الوطنية لمضاعفة عدد مواقع المملكة المسجلة في قائمة التراث العالمي باليونسكو على الأقل بحلول عام 2030.