الحج أحد الأركان الخمسة التي تأسس عليها الدين الإسلامي، كما أنها عبادة لمن استطاع إليها سبيلًا، وتجتمع جميع العبادات التي تزرع في النفس البشرية الإيمان والإخلاص والتقوى والجهاد، ويعد الحج من مكفرات الذنوب، حيث يرجع المسلم بعد الحج كالمولود لا يحمل ذنبًا بإذن الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). رحلة الحج وقوافل الحج والطرق الموصلة إلى الأراضي المقدسة لم تكن قديما أمرًا هينًا، وقد وثقت الكثير من الكتب عبر مر التاريخ رحلات الحجاج الأوائل من مختلف قارات العالم، إفريقيا وآسيا وأوروبا، سواءً كانت تلك الرحلات برية أو بحرية فهي شاقة ومتعبة للغاية، على من سيقدم عليها أو من سيودعون أحبتهم الذاهبين للحج، فالحج قديمًا يعرف بأنه الذاهب مفقود والعائد مولود، وقد تستغرق تلك الرحلات شهورًا عديدة وربما تصل إلى سنوات، حيث إن لكل قافلة طريق وخطة مختلفة عن غيرها، ولكل رحلة أمل ومعاناة وحماسة وتجاوزات. رحلة محفوفة بالمخاطر كان الحج قديمًا عبارة عن رحلة محفوفة بالمخاطر بمختلف أنواعها، تتطلب مالاً وجهدًا يبلغ أضعاف مضاعفة ما يبذلونه الحجاج في هذا الزمان، لم يكن هنالك ظرفًا معينًا قد يواجه الحاج، فيجب عليه التهيئة لكل الظروف الممكنة مثل: قطاع الطرق لسرقة ما لدى الحجاج، طرق رملية، حيوانات مفترسة أو من الكوارث الطبيعية مثل السيول والأمطار، لذلك فان كل حاج كان يحمل معه سلاحا لحماية نفسه من قطاع الطرق والحيوانات المفترسة. "ليشهدوا منافع لهم" وفي هذه الأيام يتوافد على بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة بالمسلمين من جميع أصقاع الأرض، ليذكروا اسم الذي لا الله إلا هو في أيام معدودات، وليشهدوا منافع لهم، وهذا ما أشار إليه عز وجل في قوله: « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ »، فقد كانت هذه الآية بمثابة دعوى دعا بها الله عبادة للحج ليشهدوا منافع لهم ترتبط بذكر الله وتوجه القلوب والعقول إليه والإخلاص في العبادة له وحده. رحالة الحجيج نجد أن من أوائل الرحالة وأشهرهم الذين وثقوا رحلة الحج هم: ابن بطوطة، وابن جبير الأندلسي، والإدريسي، والمقدسي، وأحمد بن فضلان، وأحمد بن ماجد، حيث وثقوا في مخططاتهم جميع انطباعاتهم وما شاهدوه في رحلتهم لأرض الحرمين الشريفين، كما أصبحت رحلاتهم التي تم توثيقها فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من التراث الإسلامي، حيث وصفوا الكثير من الأحداث التي مروا بها عند مغادرتهم بلادهم وأثناء أدائهم لفريضة الحج وعند عودتهم إلى ديارهم، وأضافوا في وصفهم المراسم التي تقام عند توديعهم واستقبالهم، كما وصفوا أيضًا القوافل التي أخذتهم إلى رحلة الحج. كان قديمًا يبدأ استعداد للحج بعد انتهاء عيد الفطر المبارك، حيث كان يتم تجهيز قافلة تشمل الإبل والمأكل والمشرب وحتى الأكفان للراغبين في أداء الفريضة، كانت تستغرق مدة الرحلة 4 أشهر تقريبًا، كما كانت أيضًا الطرقات وعرة ومحفوفة بالمخاطر من قطاع طرق أو كوارث طبيعية، فإن السفر إلى مكة آن ذاك بمثابة (عذاب) وذلك لكثرة الصعوبات والمخاطر التي كانت تحوط بالرحلة. فراق الحجيج كان الحجاج يودعون أهاليهم وداع الفراق، لعدم وثوقهم ويقينهم بأنهم سوف يعودون إليهم، وذلك بسبب المخاطر التي كانوا يتعرضون لها وخاصة في أوقات ظهور الفتن في الدولة الإسلامية، واختلاف الأمن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق، ساهم بشكل كبير على انتشار أعمال السلب والنهب والاحتيال، ولذلك كان العديد من الحجاج في الدول يفضلون الحج عن طريق البحر على الرغم من مخاطرة، وذلك لكي يتجنبوا نهب قطاع الطرق البرية لهم. الحج في رصد التاريخ وبخلاف ما كانوا يتعرض له الحجاج من قطاع الطرق والجوع والعطش والأمراض، كان الحجاج يتعرضون في سفرهم لبعض الكوارث الطبيعية مثل: العواصف والأمطار الغزيرة والسيول الجارفة والبرد القارس، كما تعرضت قافلة الحج الشامية إلى رياح عظيمة وأمطار غزيرة سنة 692 ه، حملت الرياح أمتعتهم، كما حصلت لهم متاعب ومشقة كبيرة، وأيضًا في سنة 1196 ه بين مكةوالمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين الذي اجتاح قافلة الحج المصرية أثناء سيرها. ومع مرور الأعوام وتطور الزمان، تم إقامة مجموعات كبيرة من المنشآت، مثل: الاستراحات، ومجموعة من المرافق الأساسية من آبار وبرك ومساجد وأسواق، لذا فقد قلل الحجاج ما كانوا يأخذونه معهم من مأكل ومشرب وغيره، ليتزودوا بها أثناء مرورهم على بلاد نجد، كما وضعت على تلك الطرق الأعلام ليتم إرشاد الحجاج إلى الطريق الصحيح. حرص الحكام وولاة الأمر منذ عهد الخلفاء الراشدين، ومن تبعهم على تأمين طرق الحجاج بالحماية، حيث إن جميع قوافل الحج تتحرك على شكل مجموعات يتم حراستها بعدد كبير من الجنود، وكان يصحب المحمل العراقي والشامي والمصري عددًا من الجنود لحمايتهم من قطاع الطرق أثناء سيرها إلى الحج. الجمال تتهادى تحت الشقادف كانت شبه الجزيرة العربية إلى وقت قريب قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز، عبارة عن إمارات متنافرة، تعم بها الفوضى وعدم الاستقرار، ولصعوبة الحياة آن ذاك وسوء أوضاعهم ومعيشتهم في الصحراء، كان الغزو ونهب من يمر بالقرب منهم يعد بالأمر المألوف لدى البعض منهم، ويعتبر حجاج بيت الله الحرام هم أعظم المتضررين من فقدان الأمن في ذلك الوقت، كما تذكر بعض كتب التاريخ عن حوادث لتعرض معظم القوافل للنهب والسلب والقتل لكامل أفرادها. وقد اهتم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بسلامة الحجاج، حيث كانت قوافل الحجاج من جدة إلى مكةالمكرمة خيطًا واحدًا لا ينقطع والجمال تتهادى تحت الشقادف، وكثيرًا ما تضيق بها السبيل على رحابها. طرق التنقل الرئيسة للحج أو التجارة تعددت طرق الحج في العالم العربي والإسلامي، التي كان يسلكها حجاج بيت الله الحرام، فقد شهدت وسائل التنقل على مر العصور تطورًا كبيرا ومختلفا لثمان وسائل تنقل رئيسة للحج والعمرة أو التجارة، الأولى: طريق بلاد المغرب الإسلامي حيث تلتقي مع الطريق المصري، الثانية: طريق الحج الكوفي، الثالثة: طريق الحج اليمني الداخلي، الرابعة: طريق الحج العماني، الخامسة: طريق الحج البصري، السادسة: طريق الحج المصري، السابعة: طريق الحج الشامي، الثامنة: طريق الحج اليمني الساحلي. حج اليوم وحج الأمس هناك فرق كبير وواضح بين حج اليوم وحج الأمس، فاليوم يتم تسجيل أكثر من 2,5 مليون حاج إلى مكة، بمختلف أنواع الرحلات برًا، بحرًا، جوًا، بأمن وامان واطمئنان وراحة وسهولة ويسر، كما يتم في مساهمة وحماية الحجاج على الأراضي المقدسة أكثر من 100 ألف رجل أمن من وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية، وأيضًا بالإضافة إلى مجموعة القوات المساندة من وزارة الدفاع والحرس الوطني والمتطوعين. وعلى الرغم من جميع المصاعب التي يتعرض لها الحجاج، إلا أنهم واصلوا السفر لأداء الحج، ولم ينقطعوا عنه، وقد كانوا معظم الحجاج يزورون المدينةالمنورة أولا، وعند اقتراب موسم الحج يذهبون إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج، إلا أن معظم الحجاج يقومون بزيارة المدينةالمنورة بعد موسم الحج. سفر من دون وثائق قديمًا لم تكن هناك نقاط معينة متعارف عليها يحصل من خلالها المسافر على إذن بالدخول أو المرور كما هو الحال اليوم، وذلك لعدم وجود جوازات أو وثائق للسفر قديمًا، فكان الحجاج يحصلون على هذه الإذن من الدولة السعودية في منطقة تسمى ب"سلوى"، ويعتبر هذا الإذن تسهيلا لحاملها بالسفر بين المدن في المملكة العربية السعودية. وعلى مر العقود تم إضافة بعض الإجراءات التحسينية، وذلك لتسهيل أداء المناسك لمن يريد أداء فريضة الحج، ومن تلك الإجراءات التي تم إضافتها: توزيع نسب الحجاج على الدول بنظام ك(ألف حاج لكل مليون نسمة)، وقد حددت وزارة الحج والعمرة في السعودية النسب للحجاج، بينما تحدد باقي هيئات الحج في كل دولة حجاجها القادمون. 30 مليون حاج تم تخصيص معظم المطارات كمطار الملك عبدالعزيز في جدة، صالات للحجاج، ولا يتم استخدامها إلا في مواسم الحج، وهي متهيئة لاستقبال أعداد بشرية هائلة، وسرعة في تنفيذ المعاملات وتقديم الخدمات، وإجراءات طبية وأمنية عالية المستوى. أما في عصرنا الحالي، أصبحت لدينا وسائل تنقل بين المدن أكثر سهولة وأمانًا، بالإضافة إلى توفير كافة الخدمات التي يحتاج إليها الحاج في رحلته، فأصبح الحج فريضة سهلة ليست بالشاقة كما عاشوها آبائنا وأجدادنا، فقد أصبح التنقل بين جدةوالمدينةومكة في غاية السهولة واليسر، مختصرًا زمن سفر الحجاج بشكل قياسي، ومع هذا التطور الذي نعيشه في وقتنا الراهن، إلا أن الحجاج تنتظرهم تطورات أخرى، فقد تسعى المملكة إلى زيادة عدد زوار بيت الله الحرام إلى أكثر من 30 مليونا، بحلول العام 2030، وذلك وفق رؤية سيدي صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان "حفظه الله ورعاه". توثيق رحلات الحج استمر توثيق رحلات الحج عن طريق التدوين، حتى ظهور التقنيات الحديثة، التي استطاعت أن تنقل مشاعر الحجاج في صورة، ثم بالتسجيل التلفزيوني، وكان للمصور محمد صادق بيه "مصري الجنسية"، الفضل في توثيق أجواء موسم الحج، واستلامه الراية لتوثيق الحج منذ سنة 1880م وحتى نهاية العام 1901م، ويعتبر المصور محمد هو أول مصور يلتقط صورًا لمناسك الحج، وبعد رحيل المصور محمد صادق بيه، جاء من بعده دور اللواء إبراهيم باشا، حيث وثق رحلات الحج، ومناسكه، مرفقه بمئات الصور. وبعد الصور الصماء، انتشرت لدينا وسائل الإعلام الحديثة، ليصبح لدينا توثيق بالصوت والصورة، وذلك بعد تطور التقنيات المستخدمة للتوثيق، كقنوات البث المباشر، التي تبث الخبر وقت وقوعه إلى كافة انحاء بقاع الأرض، وتنقل بشكل مباشر وحي الحجاج أثناء أدائهم مناسك الحج، فتحول التوثيق بعد ما كان عملية صعبة قديمًا تعتمد على التدوين في المذكرات أو الصور الصماء التي كان من النادر الحصول عليها، إلى عملية سهلة وسريعة، وذلك بالتأكيد بفضل وسائل التقنية الحديثة، التي جعلت من الجميع توثيق لحظاتهم أثناء أدائهم مناسك الحج بالصوت والصورة. ولعل أول توثيق بتلك التقنيات الحديثة كان لعدة أفلام تم عرضها في دور السينما آن ذاك، حيث أن الشركات المنتجة للأفلام تقدمة إلى الملك عبدالعزيز بطلب إذن للسماح للفنيين المتخصصين، الذين تم إرسالهم للتصوير وتوثيق مناظر المناسك المقدسة بالصوت والصورة مراسم الحج. حافلات نقل الحجاج إن خدمة مئات الأشخاص من جنسيات ومذاهب وثقافات وعادات وأعمار مختلفة في مدينة واحدة، وفي مشاعر ذات مساحة محدودة، يتجمع فيها الجميع في اليوم والوقت نفسه، يتحركون في أوقات محددة، ويقومون بعبادات واحدة، وذلك مع مراعاة الظروف النفسية والصحية لهم، وتوفير أفضل الخدمات في النقل وغيره، فهذا يعتبر عملًا عظيمًا من دولة عظيمة، تخدم ضيوف الرحمن في الحرمين الشريفين، ولن تستطيع أي دولة أخرى في العالم العربي أو العالم الإسلامي أن تقوم بتقديم مثل هذه الخدمات، أو هذه الأعمال الثقيلة من نوعها، حيث وفرة المملكة حافلات مكتملة التجهيزات، لنقل أكثر من مليون حاج من حجاج الخارج، ويتم في كل عام إعادة تجديد واستبدال حافلات النقل القديمة بالجديدة، وتوفير أفضل خدمات الراحة بها، وذلك حفاظًا على سلامة الحجاج خلال نقلهم بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والمشاعر المقدسة، أثناء أدائهم مناسك الحج. كان هناك نقص واضح في وسائل النقل حول العالم، ولكن هذا يختلف اليوم، فمع التطور الكبير والواضح والمبتكر والمتقن في مختلف وسائل النقل، حيث تحولت الأخيرة من الإبل أو السير على الأقدام، وهذا ما جعل من الحج مشقة وعذاب للراغبين في اداء فريضة الحج. وبعد تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز ال سعود - رحمه الله -، وتوليه أمور الحرمين الشريفين، والسعي جاهدًا لجلب وسائل تنقل حديثة تخدم ضيوف الرحمن في مواسم الحج، وبعد العام 1925م، بدء انتشار السيارات لنقل الحجاج لتأدية مناسك الحج أو العمرة، وفي العام 1937م اقتنت المملكة 4 طائرات، لنقل الحجاج جوًا من مطاري جدةوالمدينةالمنورة، وفي العام 1944م بلغ عدد الطائرات في المملكة 23 طائرة، ليتم بعد ذلك افتتاح مطار رسمي بجدة في العام 1945م. وفي العام 1949م، فقد تم افتتاح الميناء البحري في جدة، لتصله أول سفينة في العام 1950م، وبعد مرور الأعوام والتطور في وسائل النقل، تم اعتماد وبشكل كلي على الحافلات لنقل الحجاج أثناء تأدية مناسك الحج، كما تم تطوير وتحديث الحافلات لتصبح بجودة عالية.