ما زالت المدن حول العالم، بما فيها مدن المملكة، في مرحلة مخاض ما بعد جائحة كورونا، فعلى الرغم من أن وتيرة الحياة الطبيعية بدأت تعود إليها، إلا أن أجزاء حيوية منها ما زالت في مرحلة الإفاقة من تسونامي هذا الوباء، فممن طالته موجاتها هو (منطقة الأعمال المركزية) خاصة بعد أن أذكت الجائحة من وتيرة التحول في ممارسة العديد من الأنشطة بتلك المنطقة للعمل عن بعد، وما صاحبه أيضاً من تجنب مرتادي تلك المنطقة شبكة النقل العام، الوسيلة الأكثر استخداماً وازدحاماً للوصول إليها، الأمر الذي جعلها تخلو من الأنشطة والناس خلال فترة الحظر، قبل أن يعود لها نبض الحياة مجدداً، ولكن بنسبة أقل مما كانت عليه. تداعيات الجائحة على منطقة الأعمال المركزية في مدن العالم، كانت من الأسباب التي دعت إلى إعادة النظر في النموذج الحالي المتأثر بالحقبة الصناعية التي مرت بها مدن الغرب، المتسمة بالفصل بين مقر العمل ومكان السكن، والذي عم العالم، وجعل مراكز مدنه تمسي موحشة بعد انتهاء ساعات العمل اليومية، مما زاد من شدة الحاجة إلى أن يعاد بناء مركز المدينة للناس وليس للأعمال فقط، وأن يتحول كما يصفه البعض من منطقة أعمال مركزية (Central Business District) إلى منطقة مركزية مجتمعية (Central Social District) يمتزج في نسيجها الحضري مقر العمل مع مكان السكن وميادين التقاء وتفاعل أفراد المجتمع فيما بينهم، لكن يبدو من الدراسات التي تتمحور حول هذه القضية، أن فترة المخاض تلك لم تنتهِ بعد..!؟ حتى وإن بدت بعض ملامح المرحلة التي ستعقبها، ففي دراسة حديثة تضمنت نموذجاً للتنبؤ بما ستسفر عنه التغيرات الناتجة عن جائحة كورونا، وجرى تطبيقه على مدينة (لوس أنجليس) الأميركية التي قفزت نسبة العاملين فيها عن بعد الجائحة لتصل إلى (40 %)، أي نحو ثلث القوى العاملة في المدينة، بعد أن كانت تلك النسبة لا تتجاوز (4 %) في الفترة التي سبقتها، تم بناء توقع - استناداً لهذا النموذج - بأنه في حال استمرت نسبة العاملين عن بعد على هذا النحو، فإن السيناريو المستقبلي سيكون ازدياد معدل انتقال سكان أحياء وسط المدينة إلى ضواحيها، وانخفاض في متوسط أسعار العقارات السكنية والتجارية في منطقة الأعمال المركزية، في مقابل ارتفاعها بالضواحي، مما سيجعل ذلك عاملاً لجذب مزيد من قطاعات الأعمال إلى مركز المدينة، يصاحبه تراجع في معدل الازدحام المروري بمنطقة الأعمال المركزية، ومن ثم خفض زمن الرحلة اليومية للعمل. فهل من سيناريوهات أخرى لهذا المخاض؟ وماذا عن طبيعتها في مدننا؟