مطالبة إيران بعدم التدخل في الشؤون العربية ورفض أنشطتها المزعزعة للاستقرار أمن المملكة ومصر كلٌ لا يتجزأ تطابق المواقف السعودية الأردنية ودعم حل الدولتين تنسيق سعودي تركي لتعزيز العمل الإسلامي المشترك تطابقتْ المواقف وتحققتْ الأهداف، وتكرسَ التناغم وتجسد التلاحم وأضحت الشراكة الاستراتيجية أعمق من المحيط وتعانق السماء، قد يكون هذا الوصف هو الأبلغ لمخرجات جولة سمو ولي العهد لمصر والأردنوتركيا التي اختتمت أمس الأول، هذه الجولة التي قد تكون قصيرة في زمنها إلا أنها عميقة وثرية في مخرجاتها الاستراتيجية، إنْ من حيث تطابق المواقف أو تنسيق السياسات، أو من حيث توحيد الجهود وإيجاد توافقات ومقاربات وحلول عادلة لقضايا المنطقة والعالم الإسلامي فضلاً عن التعامل مع المعطيات السياسية المتجددة، ديناميكية الأمير محمد بن سلمان وسرعته في تحقيق الإنجاز بحنكة ودقته في الأداء بحكمة، وقدرته على ترجمة رؤية القيادة السياسية ببصيرة خلال وقت قياسي، جعلته مثالاً نوعيًا لقائد ملهم للعالم أجمع. لم تكن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى مصر والأردنوتركيا بروتوكولية على الإطلاق، كونها حققت أهدافاً استراتيجية طويلة المدى، وعكست دور المملكة حيال التقارب والتلاحم، وما تشكله الرياض من عمق استراتيجي في المحيطين الإقليمي والعربي والإسلامي. بالمقابل تعزيز الدور الأمني الاستراتيجي الذي تمثله مصر في المحيط العربي، وأهمية تعضيد دور الأردن الجار الاستراتيجي المهم لحدود المملكة الشمالية، والتناغم مع تركيا الدولة ذات العمق الإسلامي والبعد الأوروبي، لقد أثمر الحصاد النهائي لجولة الأيام الثلاثة التي قام بها ولي العهد لمصر والأردنوتركيا، عن استثمارات تقترب من 30 مليار ريال في مصر، وشراكات إنتاجية واستثمارية في التقنيات الرقمية والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي مع تركيا، وتعاون لافت استراتيجي في قطاعات التعدين والبنية التحتية بالأردن. وأجمع الخبراء العرب على أن جولة ال72 ساعة حققت نتائج استراتيجية مبهرة، بعثت برسائل إيجابية عن الدور القيادي لعراب رؤية المملكة 2030، والمكانة التي يحظى بها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وعكست الدور الذي تضطلع به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قلب العالم الإسلامي، ومنطقة الشرق الأوسط. توقيت مهم وليس هناك رأيان أن التوقيت الدقيق للجولة الذي سبق القمة المرتقبة التي تجمع الدول الخليجية بالولايات المتحدةالأمريكية بحضور قادة مصر والأردن والعراق يوم 16 يوليو المقبل، تحمل العديد من الدلالات العميقة، وعدداً من الأهداف الجوهرية الطويلة المدى التي سيكون لها أثر كبير على مستقبل الأمن والسلام في المنطقة والعالم، وقد يطرح السؤال، لماذا كانت مصر الوجهة الأولى للجولة؟ الإجابة، تكمن لما لمصر من تاريخ ومكانة وموقع استراتيجي مهم في المحيط العربي، ولما يربطها بالمملكة من علاقات أخوية تاريخية استراتيجية، ولتوحيد الرؤى ولاعتبار أن ما يتم التوافق عليه بين القيادتين السعودية والمصرية، كفيل بأن يفتح الطريق للانطلاقة لمشروع تفاهم وتقارب ونهضة وسلام لدول منطقة. زيارة سمو ولي العهد إلى مصر هي الزيارة الرابعة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أولى الأمير محمد بن سلمان اهتماماً خاصاً بمصر، لدورها المحوري في المنطقة العربية وارتقت العلاقات بين المملكة ومصر، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ومن أبرز مخرجات الزيارة ما جاء على لسان وزير التجارة، ماجد القصبي، إنه تم توقيع 14 اتفاقية بين مصر والسعودية ب7.7 مليارات دولار (29 مليار ريال) الى جانب الاتفاقيات الموقعة على عدة مجالات هي البترول والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الإلكترونية والأدوية والبنية التحتية والأمن السيبراني بين عدة جهات حكومية وخاصة مصرية وسعودية في قطاعات البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، وإدارة الموانئ، والصناعات الغذائية، وصناعة الأدوية، والطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، ومنظومة الدفع الإلكتروني والحلول التقنية المالية وتكنولوجيا المعلومات. كما تم الإعلان عن اعتزام المملكة قيادة استثمارات في مصر قيمتها 30 مليار دولار. وفوق ذلك، أكد الجانبان عزمهما على إنهاء مفاوضات اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، في أقرب وقت ممكن، في إطار حرصهما المشترك على توفير بيئة استثمار آمنة، وخلق بيئة استثمارية تدعم القطاعات المستهدفة: السياحة، الطاقة، الرعاية الصحية، الزراعة، النقل، الخدمات اللوجستية والاتصالات وتقنية المعلومات. وما ظهر في البيان السعودي المصري المشترك حيال التطابق الكامل في وجهات نظر البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك عربياً وإسلامياً ودولياً، وقال مصدر رئاسي مصري ل»الرياض» إن زيارة ولي العهد حققت أهدافها الاستراتيجية وأوجدت حالة من التفاهم والتنسيق الاستراتيجي العالي المستوى، مؤكداً أن البيان المشترك السعودي المصري الذي صدر في ختام زيارة ولي العهد، عمق التفاهم وتطابق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك خصوصاً فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني حيث اتفق الجانبان على ضرورة دعم الجهود الدولية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وضمان سلمية برنامج إيران النووي، وتعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن حث إيران على الالتزام بالمبادئ الدولية بعدم التدخل في شؤون الدول العربية، والمحافظة على مبادئ حسن الجوار، وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما فيها دعم المليشيات المسلحة، وتهديد الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية. وظهر التجانس الكامل فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، حيث أكد الجانب السعودي دعمه الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، وحث إثيوبيا على عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي، فيما ظهر الموقف المصري الحازم والمعبر عن التضامن الكامل مع المملكة في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها الوطني، وشددّ على رفضه لأي اعتداءات على أراضي المملكة ما يؤكد أن أمن البلدين كلٌ لا يتجزأ، فيما كان التطابق والتناغم جليا حيال القضية الفلسطينية، حيث شدد الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وإيجاد أفق حقيقي للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام، وفقاً لمبدأ حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدسالشرقية. وفي الشأن اليمني، دعمت القاهرة الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، استناداً إلى المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن رقم (2216). وقال خبراء مصريون ل»الرياض» إن الشراكة السعودية المصرية هي شراكة المصير المشترك حيث تجمع البلدين علاقات تاريخية وطيدة، فالبلدان هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، كما أن التقارب في التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية، يؤدي إلى التقارب إزاء العديد من المشكلات والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية وشكلت زيارة ولي العهد خارطة طريق للتعاون الاقتصادي والسياحي والسياسية طويلة المدى. مواقف موحدة وفي الأردن ظهرت جوانب العلاقات الشخصية الدافئة في لقاءات ولي العهد مع الملك عبدالله الثاني وابنه الأمير الحسين سواء خلال الاستقبال بالمطار أو التوديع، إلى جانب التوافق الكبير في مواقف البلدين حيال ما يهم الأمة العربية والإسلامية وإحلال الأمن والسلم العالمي فضلاً عن الاتفاق على ضرورة دعم الجهود الدولية المستهدفة للحيلولة دون امتلاك إيران سلاحًا نوويًا. وظهر التجانس والتلاحم عبر التأكيد أن أمن المملكتين واحد والأردن يؤكد وقوفه المطلق مع السعودية في كل ما تتخذه من خطوات لحماية أمنها واستقرارها ومصالحها. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تجلى موقف البلدين التاريخي وغير القابل للتغيير حيث شدد الجانبان على ضرورة انطلاق جهد دولي جدي وفاعل لإيجاد أفق سياسي حقيقي لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدسالشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية مؤكدين أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يشكل خياراً استراتيجياً عربياً، وضرورة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين. وقطع موقف المملكة أهمية دور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس في حماية المقدسات والحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، قطع الطريق على المغرضين الذين يحاولون التشكيك في مواقف المملكة الى جانب أهمية مضاعفة الجهود لمواجهة التطرف والعمل على مكافحة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف منابعه وإيقاف كل سبل تمويله، ونشر قيم الاعتدال الدينية والثقافية والحضارية. زيارة مفصلية وفي تركيا شاهد العالم الاستقبال المهيب الفاخر من قبل الرئيس التركي أردوغان لسمو ولي العهد ومخرجات الزيارة التي ظهرت في البيان السعودي التركي المشترك حيث تم التأكيد بأقوى صورة على عزمهما المشترك لتعزيز التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية، وتبادل الجانبان وجهات النظر حيال أبرز المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، واتفقا على تفعيل أعمال مجلس التنسيق السعودي التركي، ورفع مستوى التعاون والتنسيق، والعمل على تبادل الخبرات بين المختصين في البلدين. وقال مصادر تركية ل»الرياض» إن زيارة الأمير محمد بن سلمان كانت مفصلية وتاريخية، ولها دلالات مهمة لعودة العمل المشترك بين الرياض وأنقرة. كاريزما القيادة وعلقت مجلة فورين بوليسي، إن وضع السعودية السياسي والاقتصادي ومكانتها الإسلامية والعربية، مكنها من أن تضع نفسها كحجر أساس قوي في التعامل مع بلاد المنطقة، وجاءت جولة الأمير محمد بن سلمان، تأكيدًا على هذا التوجه الاستراتيجي. وتابع تقرير المجلة الأمريكية المختصة بتحليل السياسة الخارجية، قائلًا إن المملكة وتركيا عازمتان على توثيق العلاقات بينهما في هذه الفترة الدقيقة من التاريخ الذي يتم كتابته حاليًا، وتمت الزيارات المتبادلة من الجانبين في فترة قريبة جدًا لم تتجاوز شهرًا واحدًا. فيما أكدت البيانات الصادرة في ختام الزيارة الإقليمية المهمة في توقيتها في الدول الثلاث على التعاون الثنائي وتوافق الرؤى حول القضايا الإقليمية والدولية ومعالجتها، إلا أن الجانب الاقتصادي وما يعانيه العالم من أزمات في أعقاب ما أفرزته جائحة كورونا يظل هاجس الشعوب، ومن هنا جاء التحرك السعودي للمساعدة في معالجة تلك الأزمات في الدول الثلاث وفتح باب الأمل في تعافٍ قريب وتنمية اقتصادية يتمناها ولي العهد لكافة شعوب المنطقة عامة. جولة الأمير محمد بن سلمان لثلاث دول محورية سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً بالمنطقة تمثل خطوةً مباركةً لانطلاقةٍ تاريخية لصناعة محور متماسك لأمن واستقرار وتنمية المنطقة في مرحلة ساخنة يشهدها العالم، مفتوحة على توقعات واحتمالات عديدة لن تكون أي دولة أو إقليم أو تكتل سياسي أو اقتصادي بمنأى عن آثارها وارتداداتها خصوصًا أن دول المنطقة تعاني منذ عدد من السنوات من عدم الاستقرار ووجود ما يهدد الدولة الوطنية نتيجة تصاعد جماعات التطرف والإرهاب، وبروز الميليشيات المذهبية المتطرفة الممولة من إيران،، بالإضافة إلى تزايد بعض التوترات جراء الحرب الروسية الأوكرانية، مما أوجب اتخاذ خطوات جادة لمواجهة تلك العوامل التي أصبحت تهدد جميع دول المنطقة وتعيق مشاريع التنمية والتعايش السلمي في داخل الدول ومع دول العالم. ويرى محللون سياسيون ل»الرياض» إن جولة ولي العهد رسمت خارطة التحالفات في المنطقة، بتعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات الإيرانية من جهة أخرى. جولة الأمير محمد بن سلمان اكتسبت كذلك أهمية كبيرة، خاصة وأنها تسبق زيارة للرئيس الأميركي، جو بايدن للشرق الأوسط وزيارة المملكة والقمم التي ستعقد فيها. لقد اكتشف العالم أن السعودية تملك قوة رؤية 2030، فالمشاريع تتزاحم على الأجندة الوطنية، وحسابات المستقبل للسلام تنتقل من منطقة إلى أخرى كونها حملت رسالة الإسلام السامية والتسامح والوسطية والاعتدال، لقد حبا الله سمو ولي العهد كاريزما قلما يتميز بها أي من قادة العالم، فهو يسمي الأمور بمسمياتها دون تردد أو مواربة، ويتسم بشجاعة رأي أكسبته احترام وتقدير كل السعوديين بلا استثناء. إن عنصر النجاح لنهج عراب الرؤية هو في قدرته على إنجاز التحولات الداخلية والتعامل مع المخاطر الخارجية في منطقة موجودة على صفيح ساخن في سياق الفوضى التدميرية. مشى بخطوات ثابتة وواثقة نحو التغيير، ووضع بصمته الإيجابية، وأثّر في قلب كل من رآه. الأمير محمد بن سلمان رجل المهمات الصعبة والمتعددة، وقائد الرؤية والتحول الوطني التاريخي يعمل على أكثر من جانب، فإضافة إلى عمله في الشأن السياسي يتصدى لأصعب المهمات الأمنية، ويعمل على تقوية وتعزيز القوة الاقتصادية الكبيرة للمملكة، ويضع بصمته وتوجيهاته ودعمه في كل المجالات التي تضيف إلى الوطن وأبنائه من مختلف الفئات العمرية. الأمير محمد بن سلمان في عيون العرب.. «كاريزما» القرار عندما تتحدث مكامن القوة تصنع السعودية الفارق.. إنها كاريزمية محمد بن سلمان التي أبهرت المصريين والأردنيين والأتراك وحققت في 3 أيام ما لم يحققه أحد.