يحظى مشاهير السوشل ميديا بشعبية كبيرة، لا سيّما بين شريحتي الأطفال والمراهقين، الذين يعتبرونهم أشخاصًا ناجحين، بمعيار أعداد المتابعين. ورغم الخلل الواضح في اتخاذ عدد المتابعين معيارًا لوصف شخصٍ ما بأنه «ناجح» أو «مؤثر»، فإن الخطورة تكمن فيما وراء هذا المفهوم! كيف يؤثر مشاهير السوشل ميديا في المجتمع؟ يقضي الأطفال والمراهقون وشريحة كبيرة من الراشدين أوقاتًا طويلة في متابعة المحتوى المقدم من مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، بل والتفاعل مع المواد المنشورة بالتعليق وإعادة التوجيه إلى الأقران أو أفراد العائلة. وهذا لا يقتصر على المحتوى الترفيهي وحسب، وإنما يُنظر إلى هؤلاء المشاهير على أنهم مصادر موثوقة للمعلومات والمشورة ومشاركة الأسرار الشخصية. لماذا مشاهير السوشل ميديا خطر على المجتمع؟ للوهلة الأولى يبدو أن خطر مشاهير منصات التواصل الاجتماعي سببه في كونهم قدوات زائفة، جاءت شهرتها بسبب خلل في توصيف كلمتي النجاح والتأثير. ومع ذلك، فإن الخطر الأكبر يمكن في جهل أغلب شرائح المتابعين بأن هؤلاء المشاهير ليسوا سوى أدوات تسويقية لأطراف تجارية، تسعى من وراء تلميعهم إلى بيع منتجاتها. ومن هنا، فإنه يمكننا أن نرصد كيف يقود هؤلاء إلى أزمات حقيقية، تتعلق بالهوية، والحياة الاجتماعية والنفسية لمجتمع كالمجتمع السعودي. غرس الثقافة الاستهلاكية أحد أوجه خطورة الترويج والاحتفاء بمشاهير منصات التواصل الاجتماعي، أنه ترويج مبطن لثقافة الاستهلاك التي تعلي من قيمة المنتجات الترفيهية على حساب قيم أخرى مثل الاكتفاء الذاتي، وتشجيع المنتج المحليّ. ونحن – في المملكة العربية السعودية – إذ نتطلع إلى بناء مستقبل جديد، نحتاج إلى أن نعمّق في نفوس الناشئة من أبنائنا مفاهيم الإنتاج، والعمل، وبذل الجهد، قبل الهرولة إلى السلع غير الأساسية. الرضا عن الصورة الذهنية للذات من الملاحظ أن مشاهير منصات التواصل الاجتماعي يحرصون على الظهور لمتابعيهم في هيئة مثالية من ناحية الشكل والملبس والمكان أيضًا. وباستخدام تقنيات التصوير الحديثة ينجحون في إخفاء العيوب الطبيعية لأجسامهم، مما يخلق دائمًا مقارنات حادة بين صورة المشهور الجسدية وصورة المتلقي، لا سيّما عند المراهقين. وهذا – لا شك – يدفع إلى حالة من الاضطراب الداخلي، والسخط على الذات أو الأهل الذين يُحمِّلهم المراهق / المراهقة المسؤولية عن الفوارق الشاسعة بينه وبين نجمه المفضل. ترويج السلوكيات الضارة تقف هذه النقطة كإشارة حمراء في مقالي هذا، إذ إن مشهوري مواقع التواصل الاجتماعي يظهرون نماذج سيئة من التصرفات، تبدأ من الاشتباك في مجادلات وسباب على حساباتهم الشخصية، مرورًا بالمجاهرة بالتدخين أو القيادة المتهورة أو التعرّي، وانتهاء بارتكاب بعضهم لسلوكيات إجرامية. وفي ظلّ غياب الرقابة المنزلية بعد انتشار الهواتف الحديثة، والأجهزة اللوحية، فلا يستبعد أن يتشرب الأطفال والمراهقون هذه السلوكيات كتصرفات مقبولة اجتماعيًا، أو مشروعة قانونيًا. في نهاية هذا المقال، أودّ أن ألفت الانتباه إلى ضرورة تحرير مصطلح «مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي» ليشمل القدوات الحقيقية، القادرة على التأثير الإيجابي في العقل الجمعي والفرديّ. وأحمّل وسائل الإعلام مسؤولية الترويج لهؤلاء، حتى أصبحوا شوكة في خاصرة سلامة وأمن المجتمع. رشيد العنزي