مفهوم قادة الرأي تعرض لتغير جذري في بداية القرن الحالي، وتحديداً بعد قيام منصات التواصل الاجتماعي، وانتقال الرأي من عالم القضايا الكبرى والأفكار والطروحات الجادة إلى عوالم التهريج والطبخ والاستعراض، أو إلى ما وصفه البرت اينشتاين بالواقع الغبي الذي تسود فيه التكنولوجيا، ولعل هذا ينسجم مع مجموعة من المفاهيم التي قامت عليها السوشيال ميديا، ولدرجة اعتبرت معها الإثارة ولباس المرأة الفاضح حرية شخصية، وأصبحت مشاركة التفاصيل اليومية الحميمة مع ملايين الناس من علامات التحضر، وتشاركت عوائل كاملة في صياغة محتوى فارغ وبلا وجهة أو هدف على شبكات التواصل، وتحولت لسانيات الكمبيوتر وأدب التسكع الإلكتروني والسمعة الافتراضية والهوية الرقمية، إلى أبجديات مرجعية في قواميس العالم الثالث. الإحصاءات لا تكذب ولا تجامل، وكلها تشير إلى أن السناب يتسيد المشهد السعودي على الإنترنت، فهو المكان الأنسب لأي معلن ولتجارة مربحة جداً، ونجومه ينافسون مشاهير الفن والرياضة، وقد يتفوقون عليهم، وهم يقدمون في المتوسط عشرة إعلانات كل يوم، ويكون الإعلان على شكل ستة سنابات مدتها دقيقة، وبقيمة إجمالية تصل إلى 85 ألف ريال في اليوم ومليونين وخمسمائة وخمسين ألف ريال في الشهر، ومداخيل من هذا النوع لا يمكن أن تتحقق في مكان آخر، وفي المملكة أكثر من 9 ملايين مستخدم سنابي نشط، ما بين مقدم ومستهلك محتوى، ويشغل السعوديون المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً في هذه المنصة، و52 في المئة من هؤلاء أعمارهم أقل من 25 سنة. المؤثرون أو من يستحسن البعض تسميتهم بالموصلين في مواقع التواصل، يمثلون قدوات اجتماعية لمن يتابعهم من الجنسين، والمعنى أنهم يؤثرون في منظومة القيم وعادات وتقاليد المجتمع ومفاهيم التربية الصحيحة، وهؤلاء المشاهير يتصدرون المنابر الاجتماعية ويمثلون ظاهرة إنسانية غير مسبوقة، فقد تمكنوا من حرق المراحل والوصول إلى الشهرة والانتشار في وقت قياسي وبسرعة الصاروخ، واعتمدوا قواعد جديدة أسستها لعبة الإعلام الاجتماعي، وكفلت بموجبها البقاء للأجمل في مظهره الخارجي، أو لأصحاب التصرفات الشاذة وغير المعتادة والصادمة، أو من يمارسون سلوكيات اجتماعية غير مألوفة، ثم تأتي جهات محترمة ومهمة وتستثمرهم في إعلاناتها، وبعضها لا يلتفت إلى المحتوى الذي يقدمه المشهور في سناباته، وكل ما يهم هو إعداد متابعيه والمتأثرين به، والثابت أن الصورة الذهنية عن الجهة المعلنة تتأثر بما يقدمه المؤثر أو الموصل بشكل عام. حجم الابتذال في منصات التواصل وخصوصاً سناب شات غير معقول، ومن بين المؤثرين متورطون في الترويج للمخدرات والأعمال المخلة، والسنابات تكرس لثقافة الاستهلاك القائمة على التقليد، ويفترض أن تعمل الدولة على وضع تنظيم لمحتوى إعلانات المشاهير مدفوعة القيمة بما يضمن مصداقيتها، وأن تكون هناك تراخيص مقيدة برسوم عن كل مادة إعلانية، وشرطة إلكترونية تتابع المخالفات والآداب العامة وتعاقب المتجاوزين، وتقدم تقارير دورية توضح نسبة المحتوى الضار وما تم بشأنه. حتى لا أطيل، مشاهير السناب في الغالب ليسوا أكثر من تجار للوهم، وسفراء لمثاليات بعيدة عن الواقع، والفلاتر التي تجمل أشكالهم، تفعل الشيء نفسه مع ما يعرضونه على معرفاتهم، والثقة فيما يقدمونه غباء مطلق.