انتشر الجدري في القرية وفي الوقت ذاته دخلت جيوش غازية، تقصف بالمنجنيق بيوتات القرية بلا هوادة. القصف مستمر حتى في يوم الجمعة، وفي وقت الصلاة، حيث كانت القرية تأمل في أن يكون هذا الوقت هدنة. يُقال إن الصلاة لم تقم في ذلك الأسبوع جراء القصف، تُقتل الآن ابنة الشيخ الجميلة المدللة ولن تدفن لاستحالة الذهاب إلى المقبرة، فالمكان محاط بقناصة لا تغمض لهم عين، تُركت الفتاة الجميلة المقتولة على (شبرية) خشبية مسجاة لأيام، رائحة الجثة تتعالى، اثنان من العبيد (نبيق ومبخوت) يقذفان من أعلى سطح المنزل بجثة الفتاة أملاً في أن تأتي عليها النسور والهوام وكلاب القرية، فتريحهم من الرائحة النتنة التي تصدر عن جثة فتاة القرية الأجمل. قُبيل الفجر تمطر السماء ناراً جراء انبعاث حمم بركان من أعلى قمة جبل (قُرعة) المُطلّ على القرية، يشرع (فيزوف القرية المنكوبة) في بث حممه مع فرقعة مدوية تهتز لها جدران البيوت الحجرية بعنف، يذهب هيجان البركان برشد الناس والطبيعة والغزاة أسراب من العصافير تلتجئ إلى المسجد؛ لتقتسم الأماكن فوق خشباته بحثًا عن ملجأ آمن من الهول المتعاظم، يفر من تبقى من الغزاة أحياء. النساء يكسرن أبواب (السفول) لإخراج الأبقار قبل وصول سيل البركان المتفجر ويسحبن الأبقار بعنف من الخراز المشبوك بأنوفها، تسيل معه دماء الأبقار الخائفة، الموتى ينتثرون على الأرض على هيئة (حزم العلف)، وجوههم مغطّاة برماد أبيض (كما لو أن لهم بيضة كبيرة مكان رؤوسهم). المشهد المفجع لا يلغي أن يكون الجميع ممتناً للطبيعة التي لا تكف عن تقديم خدماتها، فقد عرف الجميع أن الغزاة غادروا مفجوعين، وأن عدداً وافراً منهم قضى تحت ألسنة اللهب، انقشعت الهالة السوداء، من تبقى من أهل القرية بعد الغزو والجدري والهالكين؛ خوفًا وضحايا البركان يفكرون في صعود الجبال مع ما تبقى من أغنامهم وللصيد أيضاً، لكنها مزروعة بالمتفجرات التي تركها الأعداء؛ مما يجعل الأمر مستحيلاً. كل فرد في القرية منهك متشكك مهزوم يشعر بالأسى، رغم انتهاء الحرب وتوقف البركان يشعر الجميع بالذنب. يتساقطون بالموت أفرادًا وجماعات لا يصلي أحد على أحد، ولا يدفن أحد أحداً. ناصر بن محمد العُمري