من المحزن أن تشاهد طفلاً يتألم وهو يعاني من الألم النفسي أو الجسدي الناجم عن التنمّر. الكثير من الآباء والأمهات يحتارون فيما يفعلونه لحماية أطفالهم من التنمّر والعنف، في حين لا يعرف آخرون ما إذا كان أطفالهم ضحايا لسلوكيات مؤذية أم لا. وهذا يستدعي من وزارة التعليم دراسة سلوك الطلاب ومستوى العدوانية والتنمر لديهم، ودراسات مسحية لقياس مستوى أمان البيئة المدرسية لأبنائنا الطلاب ونسبة حدوث الإيذاء لهم، ورصد عدد حالات المشاجرات أو الخلافات بين الطلاب داخل المدرسة أو خارجها، وما الإجراءات المتخذة لردعها أو الحلول المقترحة لمواجهة هذه السلوكيات البالغة الخطورة والتي لها نتائج سلبية تؤثر على العملية التربوية والتعليمية وعلى اتجاهات الطلاب نحو حياة سوية. أثبتت الدراسات السابقة أن أعلى نسب التنمر تكون في المرحلة المتوسطة (بداية فترة المراهقة)، وفسروا ارتباط العنف ببداية فترة المراهقة بسبب التغيرات الجسمية المطردة والنشاط الهرموني المتزايد، وبتالي يؤدي ذلك إلى سلوكيات عدائية مع المحيطين من الأقران، والشعور بالحاجة إلى تكوين هوية مستقلة، مما يؤدي إلى حدوث صراعات عدة بسبب تعارض الأفكار، وهذا يدفع بالمراهق إلى إظهار المقاومة والميل للعنف لتحقيق رغباته وجذب الانتباه وكسب الاحترام من الأقران والمحيطين -أو هكذا يعتقد-. وسلوك التنمر أو الاستقواء إيذاء للنفس وللمحيطين وللممتلكات والبيئة، وإذا كان الأصل في الأطفال البراءة إلا أن الاستعداد موجود لتمثل الطباع السيئة خاصة إذا ساندت البيئة المدرسية ذلك، دون إغفال تأثير مشاهد العنف في الأفلام أو ألعاب الفيديو وغيرها مما يتشربه أبنائنا كل يوم، ويجعل من السلوك العدواني قنبلة تنذر بخطر يهدد أمن المجتمعات ممثلة بالمدارس والأسر، فكثيراً ما كان مصير بعض المراهقين الالتحاق بمراكز لأحداث بسبب العدوان والعنف والاعتداء على الآخر. وتتصدر المدرسة المواقع الأهم في المراقبة الشاملة لطلبتها لتجنبهم الانخراط في سلوكيات الاعتداء والعنف والإضرار بالآخرين، وإجراء الدراسات النفسية والاجتماعية المستمرة لقياس مدى الاستعداد لذلك، خاصة بعد فترة انقطاع طويلة عن البيئة المدرسية حضوريًا بسبب جائحة كورونا، لكيلا تكون المدرسة سبباً في تعاسة الطفل بسبب ما يتعرض له من اعتداء أو سخرية أو تجريح، وإذا لم تتوقف هذه السلوكيات سيكون لها تأثيرها العميق على حياة الأطفال النفسية والصحية والتحصيلية أو فقدانهم -لا قدر الله-. الدول المتقدمة عانت من قضية التنمر وقامت بوضع برامج وقائية للتخلص من هذا السلوك، إسبانيا طرحت مشروع «لنتعلم معًا بروح التضامن والإخاء»، واليابان وضعت دليلاً خاصاً لمواجهة أزمات العنف والاعتداء يستخدمه المعلمون والمرشدون، وأميركا وكندا والاتحاد الأوربي قاموا بحملات وبرامج وطنية متخصصة لمواجهة التنمر، دعمت بخطوط ساخنة يستطيع الطلبة من خلالها عرض قضاياهم المتعلقة بالتنمر، بالإضافة إلى برامج متخصصة في بقية الولايات كان لها نتائج إيجابية في الحد من سلوكيات التنمر والإيذاء. من المهم أن تكون بيئة التعليم آمنة، تجنب الأطفال جميع أشكال العنف النفسي والبدني من خلال برامج وطنية عاجلة (وقائية وعلاجية) لمواجهة سلوكيات التنمر والإيذاء في مدارسنا. * متخصص في الإرشاد النفسي