في المرحلة الابتدائية أصبحت حكواتي الفصل للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف مدير الشؤون الثقافية بمكتبة الملك فهد الوطنية الكاتب والروائي محمد المزيني، والذي تضم مكتبته على ما يربو 4.000 كتاب من كُتب علوم التفسير والفقه والفكر الإسلامي، أيضاً التاريخ القديم والحديث وصدر الإسلام وما بعده، كذلك تم تخصيص ركن الشِّعر، والقصة القصيرة السعودية والعربية، كما تضم كُتب الروايات السعودية والعربية والعالمية، وتحتوي على الدراسات الأدبية والشِّعرية، وكُتب الفلسفة، والسّير الذاتية للفلاسفة والروائيين عربا وعالميين وسعوديين، كما يوجد ركن خاص بالصحف والمجلات القديمة منها مجلدين كبيرين لمجلة "اليمامة" يحتويان على أعداد صدرت في ثمانينات القرن المنصرم، كما خصص زاوية للمقالات. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * تعرفت على الكتاب خارج الكتاب الصفي منذ وقت مبكر تقريباً في المرحلة الابتدائية، كان بمقدور الطالب بناء على مناهج التعليم آنذاك القراءة والكتابة منذ الصف الثالث الابتدائي، قراءة لا عوج فيها وكتابة متقنٍ، وكان لمصادفة القدر الجميلة أن وقع بين يديّ كتاب عثرت عليه بين كُتب والدي -حفظه الله- القليلة أذكر أنه كان بعنوان: «عدالة السماء»، فرحت به وقرأته، وحفظت بعضاً من حكاياته، فطفقت أحكي لزملاء الصف هذه الحكايات، فما أن علم معلم العربية بهذه القدرة لديّ حتى طلب منّي أن أروي للطلاب، فأصبحت حكواتي الفصل فساعة يريد الأستاذ الخروج أثناء الحصة يطلب منّي الوقوف أمامهم وأحكي لهم، انتهت حكايات الكتاب التي كررتها أكثر من مرّة فبت في ورطة لا أحسد عليها، فعدت إلى الرف الذي يضع والدي -حفظه الله- فيه بعض الكُتب، قلبتها كان من بينها دواوين شِعر، وقبل أن يخيب أملي عثرت على كنزي الثمين، «أساطير شعبية» لعبدالكريم الجهيمان -رحمه الله-، وكان المفتاح السحري الذي أدخلني عالم الحكايات المسكونة بالغرائبيات كقصة عويد الجساس وغيرها، فانزويت في غرفة قصية أنهل منها وأتخيّل شخوصها وأحفظ عباراتها، فكان الصيد في جوف الفراء، عدت أروي حكاياتي في الصف وفي الشارع بين أقراني. * هل تستطيع تحديد بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * بما أني قد بدأت من القصة والحكاية بت شغوفاً بها اقتفي مظانها بين الكُتب والمجلدات، فرحت بمكتبة المسجد التي أنشئت حديثاً على إيقاع بدايات الصحوة، فعثرت هناك على كتاب «العقد الفريد»، وقرأت كتاب «البداية والنهاية»، لم ترق لي كثيراً حكاياته إلا أني قرأت أجزاء منه وأنا في المرحلة المتوسطة، أخيراً استدللت على مكتبة المعارف في البطحاء ووجدت فيها بغيتي، وصرت أدخر مصروفي اليومي لشراء ما يروق لي منها، وكانت البداية الأولى لتكوين مكتبتي. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * قبل معارض الكُتب كانت المكتبات الخاصة في بعض الدول العربية مثل سورية والبحرين ومصر، نتحين فرص تهريبها وتمريرها -في ذلك الوقت- بمخاتلة عين الرقيب الصارم الذي يرى في كل كتاب يأتي من الخارج مدججاً بالمحرمات، وكانت حتى معارض الكُتب آنذاك تخضع لسياسة الحظر تلك، ومع ذلك إلا ونعثر فيها ما يروي عطشنا للمختلف والثري، خارج قائمة ممنوعات وزارة الإعلام. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * لمكتبتي حكاية أشبهها بإيقاع موسيقي في نقلاتها وتغيراتها، ومع ذلك كان لكل إيقاع منها عذوبته وإلهامة الخاصان، قرأت كُتبا عديدة مررت تقريباً على كثير من قائمة «اقرأ» وفي طريقي عثرت على كتاب «تاريخ آداب العرب» لمصطفى صادق الرافعي، من ثلاثة مجلدات، فقرأته بانبهار وعجب كبيرين، فتح لي بوابات كثيرة على طه حسين والعقاد وقضية الشّعر الجاهلي، الذي فتح لي بوابات على الفلسفة، كلما قرأت عن كاتب وكتاب طفقت أبحث عنه وأقتنيه. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * حقيقة لست هاوياً للمخطوطات، فأنا أجمع ما أريد قراءته، فأنا لست تاجراً بل قارئاً نهماً. * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * لديّ مجموعة منها اقتنيتها من بعض المكتبات العربية بعضها بتوقيع بعض كتابها كطه حسين والعقاد، صدقاً مع تكدس مكتبتي، أصبحت من بينها شبه مفقودة خصوصاً وأنا حالياً أحاول نقلها إلى مكان آخر يليق بها لأتفرغ لها واستعيد نهمي السابق للقراءة، حالما انتهي من بعض مشاريعي الكتابية. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * لديّ كثير من الصحف والمجلات القديمة، احتفظ بها في ركن خاص في مكتبتي من طرائف الأقدار أني عثرت على مجلدين كبيرين لمجلة «اليمامة» يحتويان على أعداد صدرت في ثمانينات القرن المنصرم، وجدتهما في طريق المشي الليلي، وكأنهما في انتظاري لاصطحابهما معي. * هل يوجد في مكتبتك كُتب بتوقيع مؤلفيها؟ * لديّ الكثير من الإصدارات الموقعة، جزء منها لأصدقاء وآخر منها لكتّاب عرب التقيت بهم في معارض الكُتب الخارجية، ومنها ما يصلني بالبريد. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * كتاب: «جحا الضاحك المضحك» لعباس العقاد. * هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير النفاسة؟ * قيمة الكتاب تقاس بأهميته لي.. والأهمية تكمن في الموضوعية، والاختلاف في الطرح. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك في البحث عن الكُتب؟ * في معرض الكتاب في أحد البلدان العربية وبينما أنا أقلّب الكُتب المعروضة سألت عن كتاب الحرب المقدسة: الحروب الصليبية وأثرها على عالم اليوم لكارين ارمسترونج، قال لي أحد الواقفين سآتي لك به، ولأني نقبت عنه لدى كل دور النشر ويئست من الحصول عليه لم أمانع أن أناول الشاب المبلغ الذي طلبه، فانطلق ليأتي به أو كما ظننت، إلا أنه اختفى ولم يعد، سألت البائع عن الشاب فأخبرني أنه لا يعرفه!!. * ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * أقرأ في كثير من الكُتب عدا الرواية والقصة، أقرأ في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي والسياسي حالياً اقرأ كتابي «البروج المشيدة» ل لورانس رايت، وكتاب «ما بعد السلفية» لأحمد سالم وعمرو بيومي، يتخللهما قراءات في القصة والرواية. * هل يستفيد أبناؤك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * نعم، بنتي إلهام قارئة جيّدة، وكوّنت لها مكتبة خاصة على غرار مكتبتي، وإن كانت تتجه قرأتها لكُتب الإنجليزية أكثر من العربية. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * كلاهما، الكتاب الورقي أعشق قراءته وتقليب صفحاته، وأنا في حالة سكينة منزلية، والرقمي عند ممارستي المشي، أو صالات الانتظار أو الطائرة. * هل مكتبتك متخصصة أو متنوّعة؟ * مكتبتي متنوعة.. تجد فيها القصة والشّعر والرواية والفلسفة والتاريخ لكل الكتّاب العرب والأجانب، وهي مقسمة موضوعياً ليس بالعدد الضخم المهول الكبير جداً الذي يحتاج إلى تصنيف، لكن وضعت هذه المكتبة على تصنيفي الخاص الذي هو بالموضوعات، تبدأ بعلوم التفسير علوم الفقه، إلى علوم الفكر الإسلامي، أيضاً التاريخ صدر الإسلام ثم ما بعد صدر الإسلام إلى ما نصل إلى العصر الحديث، ثم ركن الشّعر، ثم القصة القصيرة، ثم الرواية، بعد ذلك الدراسات الأدبية، والدراسات الشّعرية، ونقد العقل والفكر الدراسات في الفكر بشكل عام، والحضارة، وما بعد الحداثة، ثم الفلسفة الحديثة والقديمة، كذلك الحوارات كثيرة تتطرق إلى تحولات المجتمعات الخليجية والعربية والعالمية، وهناك بعض السير الذاتية لفلسفة روائيين عرب وعالميين وسعوديين أيضاً، ثم المقالات خصصت لها زاوية خاصة على اعتبارها من ضمن اهتماماتي بكتابة المقال، ولي رصد في هذا المجال. وتتنوع أسماء المؤلفين في المكتبة لديّ من كتّاب التاريخ القدامى: ابن كثير، والمسعودي، ولا أنسى كتاب «تاريخ آداب العرب» هذا مُهم جداً، ثم ما طرح من الكُتب ذات التنوّع الجميل جداً مثل كتاب «العقد الفريد، والأغاني للأصفهاني، إلى آخره.. الحقيقة المكتبة متنوّعة -ولله الحمد- ثرية واعتنيت باقتنائها. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * دائماً رسالتي تقول: اقرأ حتى لو كنت في الرمق الأخير من الحياة، فالقراءة تعيد لك الحياة بمفهومها الجديد، تمنحك وعياً مختلفاً بذاتك ومن حولك، وتعيد إليك سكينتك المفقودة في نفسك وروحك، اقرأ تحت أقسى الظروف ستجدها تفتح لك أبواباً لا تحسب لها حساب، سترى الناس على طبيعتهم، وسترى الجهل يتحدث أمامك، وأنت مبتسم. مجلة «اليمامة» العام 1993م حوار مع الأمير بدر بن عبدالمحسن الأديب عبدالكريم الجهيمان كتاب «العقد الفريد» كتاب «البداية والنهاية» العام 1985م رواية «البؤساء» العام 1980م كتاب «أيام العرب في الإسلام» رواية «أعمال البحر» روائع القصص العاليمة «الأفق المفقود» «خواطر في الفن والقصة» للعقاد العام 1973م كتاب «الرائد في الأدب العربي» العام 1979م كتاب «البناء الفني للقصيدة العربية» من المسرح العالمي «فاوست» كتاب «جحا الضاحك المضحك» من مؤلفات الضيف