للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف أ. محمد بن إبراهيم الماضي الكاتب والمستشار الإعلامي الذي تحتوي مكتبته على ركن مخصص لكُتب الإعلام، وعدد كبير من الكُتب ذات الاختصاصات المتنوعة. في أيِّ مرحلة تعرفت على الكتاب؟ * تعرفت على الكتاب في العامين الأخيرين من دراستي في المرحلة الابتدائية، حيث بدأت في تلك الفترة المبكرة من عمري في قراءة السير الشعبية مثل: عنترة بن شداد والزير سالم وسيف بن ذي يزن والسيرة الهلالية وكتب عديدة مثل كليلة ودمنة والقصص البوليسية المترجمة مثل شرلوك هولمز وأرسين لوبين، وقصص سوبرمان مما كان يتناسب مع مرحلتي العمرية آنذاك. وفي السنة الأولى من المرحلة المتوسطة ارتفعت نوعية قراءاتي حيث أذكر جيداً أنني كنت أقرأ باستمتاع للعديد من الروايات العربية لنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وآخرين، كما أخذت أقرأ الروايات الأجنبية المترجمة وفي مقدمتها رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو، فقد أعجبتني جداً لدرجة أنني كنت لا أكاد أخرج من المتوسطة حتى أذهب إلى البيت مسرعاً حتى آخذ هذه الرواية معي وآخذ معها كذلك غدائي وأذهب إلى السطح، وقد كان الوقت شتاءً وبحيث آخذ أقرأ في الرواية والأكل معاً في متعة لا تضاهيها متعة. وفي أول متوسط تعددت ألوان قراءاتي، وكنت أقرأ بشكل مكثف في الصحف اليومية السعودية والعربية، وكان لديّ اهتمام خاص بقراءة صفحات الرياضة والفن والأدب. وفي السنة الثالثة من المرحلة المتوسطة أخذت أهتم بشكل خاص بالقراءات السياسة بحيث كنت أقرأ بنهم في هذا الجانب من المعرفة، أذكر أنني كنت أقرأ في مجلات سياسية عديدة وفي مقدمتها مجلة "الحوادث" اللبنانية في عصرها الذهبي على زمن رئيس تحررها سليم اللوزي، وكانت آنذاك هي المجلة السياسية العربية الأولى في الوطن العربي دون منازع، اتجهت بعدئذ إلى القراءة في مجالات الأدب والفكر والإبداع والفنون المختلفة وكتب المذكرات والسير الذاتية والإعلامية. هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزلية؟ * بالتأكيد، فقد حصل الأمر من السنة الأولى من المرحلة المتوسطة حيث أخذت أبني مكتبتي الخاصة، ومن أجل ذلك فقد اشتريت دولاباً صغيراً وبدأت أملؤه بالكتب والمجلات تباعاً، وكنت أحرص على جمع مصروفي اليومي على قلته، بحيث أشتري به في نهاية الأسبوع كتاباً أو مجلة أو جريدة، فقد كانت القراءة متعتي الأثيرة. وحينما يأتي يوم الخميس نهاية الأسبوع الدراسي آنذاك، كنت أذهب في المساء إلى شارع الثميري ثم شارع الوزير وأختمه بزيارة لسوق البطحاء. وكانت الأسواق ملأى بالناس، وأتجه مباشرة إلى باعة الصحف والمجلات الذين كانوا يبيعونها على أرصفة شارع الوزير. وفي البطحاء كنت أذهب إلى بعض المكتبات على قلتها، وأظل أبحث عن كتاب يحظى باهتمامي وذائقتي. وبعد هذه الجولة أعود وأنا في غاية السعادة إلى المنزل، وقد حملت معي الكثير من الصحف والمجلات وعدداً قليل من الكتب. كانت أياماً جميلة، وأجمل ما فيها القراءة التي كانت تملأ وقتي وتسعدني وتدخل السرور والأنس إلى حياتي. منذ أن عرفت نفسي وأنا على علاقة وثيقة وصلة حميمة بالكتاب والصحيفة والمجلة، فقد ملأتْ جانباً كبيراً من حياتي. ماذا عن معارض الكتب ودورها في إثراء مكتبتك؟ * لاشك أن معارض الكتب نافذة كبيرة ومهمة لكل عشاق الكتب في التزود منها بما يحبون ويفضلون من الكتب، فلقد كنت أجد في هذه المعارض ضالتي من الكتب الجديدة التي كنت أحب أن أقتنيها، فوجود العديد من دور النشر العربية والسعودية تحت سقف واحد هو أمر مغر جداً ومحفز على الاقتناء والشراء. ولسنين طويلة كنت أذهب إلى معارض الكتب العربية التي تقام في القاهرة وبيروت والشارقة وأبوظبي. وفي هذه الأمكنة وغيرها من مواطن الكتب. كانت النقود تتسرب سريعاً من بين يديّ وأنا في غاية السعادة على إنفاقها على هذه الكتب. ما أبرز المنعطفات التي رافقت مكتبتك الشخصية؟ * لعل من أهم هذه المنعطفات تنقلي خلال هذه السنوات بين أكثر من مسكن، فقد كان أكثر شيء يكون ملفتاً للنظر عند عملية الانتقال من منزل إلى آخر هو حجم المكتبة، فقد كانت هذه العملية تأخذ منا وقتاً وجهداً كبيراً بحجم الكتب الكبير، وبعد عملية نقلها تأتي عملية إعادة تنظيمها من جديد، وهي مهمة شاقة كانت تستنزف مني جهداً ووقتاً طويلاً. وما بين نقلة وأخرى كانت تفقد بطبيعة الحال بعض الكتب أو تفسد من جراء سوء الحمل من بعض العمالة. وفي سنوات أخرى وقد زاد عدد هذه الكتب أخذت أتصرف بتوزيع بعضها على آخرين. ولعل من الأشياء الطريفة وأنا أعيد ترتيب وتنظيم مكتبتي في بعض الأحيان أنني أفاجأ بأني قد اشتريت نسختين من كل كتاب لأحد المؤلفين العرب، وقد يحدث ذلك إما نسياناً وإما إعجاباً. والمنعطف الأخير تمثل في زمن كوفيد19 حين تم تقييد الحركة ولزوم المنزل، فقد جاءت هذه المكتبة بمثابة متنفس جميل في ظل هذه الجائحة، لتتيح لي وقتاً طويلاً أقرأ فيه الكثير من الكتب، وكذلك وقتاً للتأليف والكتابة. هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * لا يوجد في مكتبتي أي مخطوطة، إذ إنها ليست من اهتماماتي، ولها كما تعرف المعجبون الخاصون بها، ولأهميتها فقد خصصنا لها برنامجاً خاصاً في القناة الثقافية جاء بعنوان: "المخطوطات"، ومن خلاله حرصنا على تتبع أهم المخطوطات العربية الموجودة في العديد من مكتبات العالم في الهند وتركيا وأوروبا وغيرها من الدول، وقدمنا تعريفاً بالعديد مما تحويه هذه المكتبات من مخطوطات نفيسة وفريدة، وهي أعمال تشهد على حيوية وكفاءة ونوعية المنجز العلمي والثقافي العربي الذي حققه العرب في سابق مجدهم، ولا تزال إلى الآن محل عناية ودراسة ومراجعة وتحقيق من الكثير من المهتمين والمتخصصين في هذا المجال. ماذا عن نصيب الكتب القديمة والنادرة؟ * يوجد لدي بعض الكتب القديمة، وخاصة مما يكون في مجال اختصاصي واهتمامي، وهو الإعلام والصحافة؛ إذ إنني أحرص على وجود كل كتاب في هذا الجانب من العلم والتخصص في مكتبتي قديماً كان أو حديثاً، والكثير من الكتب القديمة أجد بها عمقاً في المحتوى وجودة وتمكناً في الأسلوب الذي كتبت به، وبرغم قدمها إلا أن بعضها لا يزال ينجح في إثارة اهتمامي ودفعي لقراءتها.أما الكتب النادرة فلا يوجد منها شيء في مكتبتي، حيث لا تشكل لدي اهتماماً أو أولوية ما. هل لديك شيء من الصحف والمجلات القديمة؟ * نعم، لديّ العديد منها، أمثال: مجلة العربي الكويتية، الهلال المصرية، الدوحةالقطرية، نزوى العمانية،البحرين البحرينية، ومجلة الفيصل، العربية، المنهل. وعدد من المجلات السياسية العربية كالحوادث، الجمهور، الأسبوع العربي، أكتوبر، آخر ساعة، المصور. أدين لهذه المجلات والدوريات العربية بالكثير من محبتي للقراءة منذ أن كنت طالباً أدرس في المرحلة المتوسطة، ولا أزال إلى اليوم أحرص على متابعة بعض هذه المجلات الثقافية العريقة. هل يوجد في مكتبتك كتب بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، لديّ القليل منها مما يصلني من إهداءات من بعض المثقفين والأصدقاء، كما أنني أحتفظ ببعض الكتب العربية المستعملة وأجد عليها إهداءات من بعض مؤلفيها. هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * قراءة الكتب والاهتمام بها هواية بالدرجة الأولى مثلها مثل أي هواية أخرى، وأرى أن اهتمام أسرتي بالكتاب الورقي وقراءته هو اهتمام محدود، ومن لديه اهتمام بالكتب والقراءة منهم هو ابني يزيد، أما البقية فقد اتجهوا كما هو حال جيلهم من الشباب إلى الاستفادة من وسائل الثقافة والإعلام الجديدة، وأعني بها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي والكتاب الإلكتروني الذي يجدون فيه بغيتهم وما يثير اهتمامهم ويعبر عن عصرهم، ومع هذا فإنني لا أتوانى عن تحبيب القراءة إليهم عن طريق الكتاب الورقي، حيث أغريهم بقراءة كتب وروايات معينة أرى أنها قد تحوز على اهتمامهم. ماذا تفضل المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * لاشك أنني أفضل المكتبة الورقية بحكم الاعتياد الطويل عليها، إضافة إلى الجانب الوجداني، ولا أميل إلى المكتبة الرقمية بالرغم من أنني احتفظ ببعض الكتب الرقمية على هاتفي الجوال، إلا أنني من النادر جداً أن أعود إليها، ويظل الكتاب الورقي هو رفيقي مسافراً وحاضراً، وصديقاً يرافقني في كل أيامي، ولا أمل من صحبته إن لم أقل أن أجمل أيامي وأفضل أوقات العمر أجدها وأنا أتصفح كتاباً ورقياً، أفتحه متى ما أردت وأغلقه متى ما أردت، والمكتبة الرقمية بالرغم من المزايا العديدة التي توفرها، سواء باختزال المساحات التي تحتلها الكتب في المنازل أو بسهولة استدعاء المعلومة أو غير ذلك من المميزات،إلا أن الحب والتفضيل هو للمكتبة الورقية. هل مكتبتك متخصصة أو متنوعة؟ * تستطيع القول إنها مكتبة متنوعة، فيها العديد من ألوان المعارف والفكر والأدب والفن، وفيها ركن مخصص لكتب الإعلام بحكم عملي وتخصصي، ثم هناك كتب الفكر والأدب وكتب المذكرات والسير الذاتية وكتب النقد. ما رسالتك التي توجهها لكل من يملك مكتبة خاصة به؟ * أعتقد أن صاحب كل مكتبة خاصة تمثل له مكتبته شيئاً غالياً وعزيزاً، ولن يكون التفريط فيها بالأمر اليسير، فقد استنزفت من صاحبها عمراً وجهداً ومالاً وعناية، ومن هنا فإنني أرى أن الأقربين هم أولى بهذه المكتبات. أما إذا لم يكن من اهتمام بها من هؤلاء، فإيداعها في مراكز البحث والجامعات أو المراكز أو القرى التي تفتقد إليها تظل هي الأولى بها. كلمة أخيرة؟ * شكراً لجريدة "الرياض" العزيزة، وأشيد بالجهد الذي تتميز بها الصفحات الثقافية في جريدة "الرياض"، وأحيي أ. عبدالله الحسني المشرف على هذه الصفحات على جهده هو وزملاءه، وأرجو لكم المزيد من التطور والتقدم والنجاح. «قافية الحياة» سيرة ذاتية عبدالله بن إدريس كتاب «شارع الصحافة» لمي شاهين كتاب «لكل مقال أزمة» لمصطفى أمين العام 1979م كتاب «الجريدة» الرواية العالمية «البؤساء» كتاب «قلب جزيرة العرب» لفؤاد حمزة العام 1933م كتاب «حياتي مع الجوع والحب والحرب» لعزيز ضياء كتاب «عندما يكتشف الكاتب أسرار مهنته» العام 1959م كتاب «البناء الفني في القصة السعودية المعاصرة» العام 1983م رواية «ابن طرَّاق» كتاب «من سوانح الذكريات» لحمد الجاسر العام 2006م كتاب «الصحافة.. حرفة ورسالة» العام 1963م كتاب «وراء الأخبار ليلاً ونهاراً» العام 1965م كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» لابن بشر العام 1983م