عندما نرى كثيراً من الناس يتسخط عند أول موقف أو مشكلة، ندرك أننا بحاجة ماسة إلى المراجعة والنظر في النعم العظيمة في الدين والبدن والذرية وغيرها، ماذا تكون أمام هذه المشكلة أو تلك؟! يروى عن أحد السلف أنه أصابته الأكلة في رجله، فقُطعت، ثم أُخبر أن ولداً له سقط من سطح فمات، فما زاد أن قال: اللهم لك الحمد أعطيتني أربعة من الأطراف وأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، وأعطيتني سبعة من الولد وأخذت واحداً وأبقيت ستة، اللهم إن كنت أخذت فقد أعطيت وإن كنت ابتليت فقد عافيت. هذا الثبات ما كان -بعد توفيق الله- إلا بالعدل وإدراك نعمة الله عليه، ولو نظرنا في نعم الله علينا أدركنا أن أي مشكلة ما هي إلا قطرة في بحر نعمه وآلائه سبحانه (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ 0للَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ 0للَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه، فإذا قابلنا النعم بالشكر أُجرنا، وإذا قابلنا البلاء بالصبر أُجرنا، فأمر المؤمن كله خير. نأخذ نقطة من بحر نعمه سبحانه عندما تجتمع في العيد مع الأهل والأقارب والأحباب وأنت بسلامة في دينك وصحة في بدنك، ثم ترى مكفولك تارك أهله وذريته أو عاملك في الشركة أو زميلك المغترب في عملك، بل لو تنظر إلى عيني عامل النظافة صبيحة العيد ماذا تراه يفكر؟! والله لو أدركنا هذه النعمة جيداً لأحَسنّا الشكر بالتواصل والبر والإحسان وطاعة الرحمن وترك ما يغضبه، فنفرح بالمباح ونتقرب بما يرضي الله ونشكره حق شكره باجتناب المحظورات البراءة من الشبهات، ولا ننسى إخواننا الذين انقطعت بهم الحاجة عن أهليهم وأحبابهم، فنزيل عنهم هذا بالهدية والابتسامة، وإشراكهم الفرح، واستشعار الجسد الواحد، حتى يديم الله النعم ويدفع النقم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فالشكر يكون بالفعل مثل ما يكون بالقول، كما قال الأول: أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا افرحوا بالنعم بشكرها وادفعوا البلاء بالصبر والرضا، وتعرّفوا نعم الله عليكم ولا تغرنكم الحياة، فهي سريعة التقلب، يروى عن الحسن البصري -رحمه الله- قوله: «إن الله ليمتّع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً»، ولا يثبت الأمر بحال مستقرة إلا لمن ثبت على دين الله، فتكون النعم عنده وديعة والمحن عنده منح، ويسارع بالتوبة والاستغفار متى ما زلت به القدم، ليعود بسرعة إلى جادة الطريق يكمل السير إلى ربه سبحانه وجنته ورضوانه، فهذه أسباب السعادة، أما المعاصي فهي تذهب السعادة وتطفئ نور القلب، قال مالك بن أنس للشافعي: «إن اللهَ ألقى على قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظُلمة المعصية». لنجعل من عيدنا فرحاً وصلة ومودة ورحمة وطاعة، ولا تنسوا أهل الحاجة والفاقة املؤوا حياتهم سعادة، واجبروا كسرهم، ترون أثر ذلك في الدنيا قبل الآخرة. اللهم تقبل منا ومن سائر المسلمين، واجعلنا من الشاكرين لنعمك قولاً وعملاً، وزدها واحفظها من الزوال يا رب العالمين.