كحال البذور التي تنتظر الماء لتخرج من باطن الأرض تكون أثارنا في انتظار معول الباحث والمتخصص ليخرجها لنا، متكفلة برواية قصة تاريخها وكيف مرت عليها سنين بقائها في باطن الأرض، لتكتب لنا التاريخ ويكتبها باعتبارها قيمة رمزية لذاكرة تقاوم النسيان وتوظف الزمن في منافسة على البقاء والدلالة على حقب زمنية بالغة القِدم، وكونها في ذات الوقت بمثابة مفاتيح للدخول إلى حضارات تلاشت وأصبح أثراً بعد عين، ماضٍ يمكن استثماره وابتكار مساحة لتواجده في الحاضر ومنها إلى المستقبل، وهذا تحديداً ما جسدته هيئة التراث من خلال ما أعلنته بعد مرور ثلاثة أشهر منذ بداية عام 2022 بخصوص النتائج العلمية لمشاريع المسح والتنقيب، وذلك أثناء الربع الأول من السنة والتي توزعت بين ستة مشاريع تخص التنقيب الأثري و12 مشروعاً في جانب المسح الأثري، بمشاركة توزعت بين 65 باحث وسبع باحثات شاملة بعثات دولية مشتركة وبعثات محلية. وعلى اعتبار أن التنقيب الأثري يعد من أهم ركائز علم الآثار ويشمل العديد من الأساليب المثبتة علمياً في كل أنحاء العالم، تأخذ على عاتقها تطوير تقنياتها في كل مجالات العمل الأثري للوصول إلى منهجية علمية تدون من خلالاها نتائج أعمالها، مشيدة اللبنة تلو الأخرى في مسيرة تدوين التاريخ بواسطة الآثار، وعليه فقد تضمنت قائمة مشاريع التنقيب الأثري التي نفذتها هيئة التراث عدد من المواقع الأثرية ذات الأهمية البالغة وبمشاركة عدد من البعثات الدولية المشتركة، وهي: المواقع الأثرية بمحافظة تيماء بمنطقة تبوك، موقع الحجر بمحافظة العلا بمنطقة المدينةالمنورة، وادي شامي ووادي مطر بمحافظة فرسان بمنطقة جازان. يقابلها عدد من المواقع الأثرية تولت أعمال التنقيب فيها بعثات محلية، وهي: موقع زبالا بمحافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، موقع العبلاء بمحافظة بيشة بمنطقة عسير، موقع قصيرات عاد بمحافظة الأفلاج بمنطقة الرياض. أما ما يتعلق بعمليات المسح الأثري والتي لا تقل أهمية عن عمليات التنقيب الأثري، خاصة وأنه يمثل واحدة من أولى خطوات العمل الأثري التي تكون نتائجها ذات قيمة بالغة في وضع تصور محكم لأعمال التنقيب في الموقع الأثري، والذي ثبتت فائدته من خلال نتائج أعمال المسح وهو ما ظهر جلياً عبر جهود هيئة التراث ممثلة في الإدارة العامة للبحوث والدراسات الأثرية، بحيث سيرت عدداً من فرق المسح والاستطلاع الأثري الراصدة لكل ظاهرة أثرية قد ترى بالعين، أو من المتوقع وجودها بواسطة البحث في المصادر التاريخية والجغرافية حول مواقع المسح الأثري، وقد شملت في هذا العام أثني عشر موقعاً جميعها من خلال بعثات محلية، تضمنت عدد من المواقع المقترحة في منطقة عسير بالتعاون مع شركة السودة للتطوير، كذلك مسح وتوثيق مسار سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع شركة سار، ثالثاً مسح المواقع الأثرية داخل نطاق محمية الملك خالد الملكية، رابعاً مسح المواقع الأثرية داخل نطاق مشروع توسعة الدائري الأول بالمدينةالمنورة، خامساً مسح مواقع الفنون الصخرية بمحافظة الحائط بمنطقة حائل، سادساً المسح الأثري لمجموعة من المواقع الأثرية والنقوش في محافظة الدوادمي بمنطقة الرياض، سابعاً مسح واستكشاف آثار أقدام بشرية متحجرة على صخور رملية بمنطقة حائل، ثامناً مسح واستكشاف ملتقطات سطحية لأدوات حجرية تعود للفترة الاشولية بمحافظة الخرج، تاسعاً مسح وتوثيق الأميال الحجرية بمحافظة بيشة بمنطقة عسير، عاشراً توثيق موقع البئر الأثرية بحي منفوحة في مدينة الرياض بالتعاون مع شركة المياه الوطنية، الحادي عشر مسح وتوثيق التراث المغمور لشركة البحر الأحمر في جزيرتي الوقادي وشعب عتبه، وأخيراً مسح وتوثيق التراث المغمور في حقل. تسعون يوماً واصلت فيها هيئة التراث أعمالها الأثرية المختلفة ساعية إلى تسليط الضوء على تفاصيل الحضارات وتعاقب الأجيال، موثقة سردية تاريخية وحضارية للتطور والتكيف والعلاقة بين الإنسان والمكان، لتقدم بواسطة أعمال المسح والتنقيب الأثري طريقة للوصول إلى جذور الحضارة وأعماق تشكل ذاكرة الحضور الإنساني، وتواصل رحلتها في استكشاف التاريخ وتوثيقه وحمايته من أجل المحافظة على استدامته، وكذلك تحفيز المجتمع ورفع سقف الوعي المجتمعي حيال الآثار والتراث على اعتبار أنها هوية وطنية لا يمكن التفريط فيها، ومصدراً هاماً من مصادر الثقافة السعودية الخالدة.