(ندى) رواية اجتماعية صدرت عام 2021م، عن دار تكوين للطباعة والنشر والتوزيع بجدة. تقع الرواية في مئة وأربع وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، للكاتبة السعودية د. سونيا أحمد مالكي، هي رواية "رومانسية ذات بُعد درامي في قالب إنساني اجتماعي ثقافي.." كما تصفها دار تكوين، وهي كذلك. جاءت الرواية في شكل فصول قصيرة بعدد (11 فصلاً)، دون عنونة للفصول، ما يشيء إلى ربط السرد ببعضه بأسلوبي كتابي متسلسل؛ أما من حيث المنظور النقدي فالرواية تأتي في (4 تقسيمات)، القسم الأول: تسيد غالب المحتوى حيث امتد إلى الصفحات ال (70) الأولى من الرواية، وهو القسم الذي نال أوفر الحظ في الحديث عن مراحل الحياة الأولى لبطلة الرواية، الشخصية ندى. تبدأ الرواية من حيث انتقال الطفلة (ندى) للعيش مع جدها (عبدالحميد) وجدتها (آمنة المغربي) في حقول حياتهم الفارة، تخدمها فيها المربية (فرح)؛ ذلك بعد أن مات أبوها (مصطفى) "في حادث سير أودى بحياته، تاركاً خلفه طفلة في عمر الزهور أصبحت يتيمة، وزوجة أصبحت أرملة وهي في ريعان شبابها". وتبيّن الكاتبة أن من أسباب وفاة والد ندى "حالة الذهول والتوهان ومشاعر خيبة الأمل التي انتابته بعد قراءة الرسالة التي وصلت إليه من والده عبدالحميد -الذي لم يكن راضياً عنه- حيث شكلت له الرسالة الصفعة الأكثر قسوةً في حياته". بعد بضعة أيام تلقى مصطفى الرد من والده، كان رداً عاصفاً فقد انّبه على هذا الزواج -رغم أن زوجته من أقارب والدته-، وأخبره أنه كان عليه أن يستشيره أولاً، وأنه أساء الاختيار. وأنهى خطابه له بهذه الجملة: "لست ابني ولا أعرفك". سبق ذلك شعور مصطفى بأن والده يكرهه لأنه فشل في عدةِ جوانب في بناء ذاته ورغبته بأن يكون الأفضل بين أقرانه، وليعتمد عليه في إدارة أعماله وأملاكه، فهم عائلة ثرية تمتلك قصراً وسيارات فارهة، وينتظر منه أن يواصل مسيرة أبيه في عالم التجارة والأعمال: "لاحظت والدة مصطفى آثار الحزن الذي كان يكسو وجه ولدها، جزعت من سؤاله ودمعةٌ تكاد تطل من عينيه: لماذا يكرهني والدي؟.. لماذا يعاملني بهذه القسوة؟". من هنا نستطيع القول إن خيوط الرواية تناسلت بعد هذا الحدث الرئيس لتُبنى عليه فيما بعد مراحل المتن الحكائي برفقة الشخصية المحورية. الرواية من بدايتها أتت في سرد مترابط، وجاءت من عدة زوايا بسبب تعدد الرواة وتوفر تقنية الحوار بينها، وكان دور الشخصيات متنامياً بشكل سَلس، لا يشعر معه القارئ بفجوات أو ثغرات أو قفز على الزمن أو إهمال لتصوير الأمكنة والأشياء من حولها؛ ما يؤكد سلامة سير الخط البياني للسرد. وقد عمدت الكاتبة إلى البدء في الرواية من منتصف أحداثها (انتقال ندى..)، وختمتها بعودة ندى إلى أمها زائرةً لها مع زوجها (أحمد) في بيتها البسيط بقرية ريفية قرب المحيط. هذا المنجز الروائي - في المُجمل – جاء يحمل إضاءات حول خطأ أسلوب التعامل الفض مع الأبناء ومحاولة تطويعهم ليكونوا كما يرغب الأب، في تهميش من الأخذ برأيه ومنحه مساحة الاختيار لبناء مستقبله وقسوة التعامل، كما تحمل رسالة اجتماعية سامية حين حمّلت (ندى) جميع أفراد عائلتها خطأ الفراق وأثر المال – الذي قَبِلَهُ خالها من جدها لتنتقل إلى العيش معه بعيداً عن أمها – وما يفعل ذلك من ظلمٍ للطفل الصغير بغياب الأسرة الجميلة المتوافقة. الرواية من حيث البناء الفني: كل شخصية ظهر دورها من موقعها، ويلحظ القارئ اللغة المعبّرة والدقيقة في وصفها للأحداث، وتسلسلها، وفي حواراتها، كذلك خلوها من الأخطاء الكتابية؛ ما يعني أن المؤلفة أولت جانب اللغة كل عنايتها، حيث كتبت الرواية بلغة فصيحة متقنة وبأسلوب جميل ومحفز على القراءة يأخذ القارئ معه لاكتشاف جمالياتها في بقية أجزائها، وقد اكتنزت الرواية بالكثير من المسميات، والمعالم والمعارف الثقافية في عرض الفنون وأدواتها، والقصص الأدبية التي تحكيها لها جدتها وأنواعها. وقد تمكنت الكاتبة من خلال ثقافتها الواسعة -التي عرضناها- وسعة اطلاعها على الفنون وكُتب التاريخ والأدب من توظيف قدرتها الوصفية للمشاهد والأحداث وإظهار الرواية بلغة سردية جميلة، ما يؤكد على أن القارئ أمام كاتبة نجحت بفعل ثرائها الأدبي وثقافتها -خاصة في الجانب المعرفي والسياحي– وإجادتها للكتابة الروائية من تقديم عمل أدبي يستحق القراءة المتأمِّلة والإفادة مما حواه من صور فنية ولغة ثقافية متميزة. وفي نهاية هذه المقاربة النقدية التي أتت على بعض الملامح والسمات الفنية للرواية أرى أن الكاتبة رفدت المكتبة العربية برواية تستحق الاطلاع والاقتناء، لما حملته من معارف وثقافة اجتماعية جاءت بأسلوب جاذب وممتع. * قاص وناقد سعودي رواية «ندى»