يرى أرسطو أن العلل حالات ضرورية وأساسية في كل موجود، وقسمها إلى أربع: * العلة المادية: ما صنع منه الشيء. * العلة الصورية: ماذا يكون هذا الشيء. * العلة الفاعلة: من الذي أوجده. * العلة الغائية: ما الغرض منه. هذه العلل -كما يؤكد أرسطو- هي أساس كل شيء موجود، ولا يمكن وجود الشيء إلا وهذه العلل فيه بالضرورة، وهو تقسيم خالفه فيه من سيأتون بعده في الفلسفة الحديثة. لو أخذنا هذه الفكرة وجعلناها معاصرة فقلنا؛ ما الذي لا بد من توفره كي يكون إنسان حاضرنا إنسانًا؟ ما العلل التي لا بد منها كي يثبت شخصيته ووجوده؟ كيف نطمئن إلى صحة كوننا متفاعلين أو فاعلين في زمان مكتظ كزماننا؟ وهل يجب على الفرد أن يصبح متفرداً معروفاً أم يكفيه مشاركة الوعي الجمعي؟ هذه تساؤلات أراها مهمة كي نضع خطاطة أولية لحياتنا الفردية والجماعية، ولا أظن شيئًا أقلق الإنسان في عصرنا كرغبته الملحة في التفرد والبروز والشهرة حتى غدت النجومية غاية لكثير من أهل زماننا، فتحول الإنسان من كونه غاية في ذاته وجوهراً، إلى مجرد وسيلة يرجو الظهور وإن خالف أبجديات حقيقته. يرى أرسطو أن الإنسان المثالي هو من يبحث عن الوسطية في كل الأمور، والوسطية ملزومة بالتزمين، كي تحققها لا بد من النظر لأقصى اليمين وأقصى اليسار في زمانك ثم تتخذ موقفاً وسطاً بينهما، دون النظر إلى تاريخ الفعل أو القيمة التي تريد التوسط فيها، وهذا سيجعلك واقعياً منطقياً في مطالبتك لنفسك، ولن تكلف نفسك ما لا تطيق، مع ضرورة التأكيد على أن لا تهتم برأي غيرك فيك ما دمت واثقاً من سلامة مقصدك وذاتك، وهذه الفكرة أو النصيحة من المعلم الأول عند تأملها كفيلة بأن تأسس السعادة التي ينشدها الفرد، وتجعل منه بذرة صالحة لتأسيس المجتمع السوي بعد ذلك.