أصدر البنك المركزي السعودي (ساما) بالأمس القريب، عدداً من الإجراءات الاحترازية لحماية عملاء البنوك من الاحتيال المالي، الذي يتم باستخدام تقنيات متقدمة مثل الهندسة الاجتماعية Social Engineering لإيهامهم بأنهم يتعاملون مع جهات رسمية أو خاصة أو أفراد موثوقاً بهم للحصول على بياناتهم الخاصة التي تمكنهم من الدخول على حساباتهم المصرفية باستخدام رمز التحقق للمرة الواحدة One Time Password -OTP لتنفيذ عمليات احتيال مالية على حساباتهم. هَدف البنك المركزي من إصدار تلك الإجراءات والتدابير الاحترازية، إلى جانب حماية عملاء البنوك من الاحتيال المالي، المحافظة على استقرار القطاع المصرفي وتعزيز الثقة بالتعاملات المصرفية الإلكترونية، سيما في ظل ما رصده البنك المركزي من ازدياد المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي الاحتيالية. من بين أبرز الإجراءات والتدابير الاحترازية، التي أعلن عنها البنك المركزي للحد من علميات الاحتيال المالي وتضييق الخناق على المحتالين؛ تعليق فتح الحسابات عن بُعد Online، ووضع حدود لإجمالي مبالغ التحويلات اليومية لحسابات الأفراد والمؤسسات الفردية بحيث لا تزيد على مبلغ ستين (60) ألف ريال، مع إعطاء الحق للعميل، رفع هذا الحد بطلب من البنك. ومن هذا المنطلق، أكد البنك المركزي السعودي لعملاء البنوك ضرورة أخذ الحيطة والحذر من هذه العمليات الاحتيالية، وعدم التفريط بإفشاء البيانات البنكية والشخصية، مثل الأرقام السرية ورموز التحقق لأي شخص أو جهة، مع أهمية التأكد من موثوقية المواقع الإلكترونية المتعامل معها. البعض تبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى، أن تعليق بعض الخدمات المصرفية الإلكترونية، وبالذات خدمة فتح الحسابات عن بُعد سيعود بنا إلى الوراء للمربع رقم واحد بحيث يصبح فتح الحسابات البنكية لا يتم سوى عبر فروع البنوك بالطريقة التقليدية، وبالذات وأن عملاء البنوك قد ألفوا التعامل مع التقنية البنكية حتى في فتح الحسابات عن بُعد، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد الحسابات التي فتحت عن بُعد منذ انطلاق الخدمة قد تجاوز الثمانية ملايين حساب. لعلي أخفف من تلك التوجسات ومن حدة ذلك القلق المرتبط بالانعكاسات السلبية المحتملة من تعليق تلك الخدمات، باعتبار أن تلك الخدمات لم تُلغَ ولكنها عُلقت بشكل مؤقت، كإجراء سريع لا يدعو للقلق بتاتاً، سيما وأنها تستهدف حماية العملاء من التعرض لعمليات احتيال مالي - لا سمح الله -، كما أنها ستعود إلى سابق عهدها (قبل التعليق) ولكن بشكل أفضل الذي يحقق حماية أفضل لعملاء البنوك من الاحتيال، من خلال مثلاً تشديد أنظمة الرقابة على العمليات المصرفية، وبالذات على التحويلات المالية، والتحقق من مطابقة رقم الآيبان مع اسم المستفيد، بما في ذلك التعزيز من قدرة البنوك في تتبع الأموال الناتجة عن عمليات الاحتيال من حيث سرعة الرصد والحجز بمقتضى المادتين 3 - 19 و3-20 الواردتين بدليل مكافحة الاحتيال المالي في البنوك والمصارف العاملة في المملكة العربية السعودية (2020)، اللتين تمنح الحق للبنك بتجميد المبالغ في حال الاشتباه بأن التعاملات المالية لأحد الحسابات الناتجة عن عملية احتيالية لحين التأكد من سلامة مصدرها، والتعاون مع البنوك الأخرى في حال تلقي طلب تجميد المبالغ متى توافرت مبررات الاشتباه مع إيقاع مسؤولية التجميد وتبعاتها على البنك طالب التجميد. بالإضافة إلى ذلك، فإن البنك المركزي لم يلغِ بعض الخدمات تماماً من مشهد وساحة التعاملات الإلكترونية، بل إنه خفض من مستوى حدودها السابقة، وعزز من قدرة البنوك والمصارف على تتبعها للحيلولة دون خروجها من البنك. وهذا بالفعل ما قد تم، حيث قد أعلن البنك المركزي يوم أمس الأول عن تحديث لتلك الإجراءات الاحترازية المرتبطة بتعليق بعض الخدمات الإلكترونية، بإعادة رفع حد الحوالات اليومي لعملاء البنوك إلى المستويات التي كانت عليها سابقاً، مع إتاحة الفرصة للعميل بالاتفاق مع بنكه بخفض ذلك الحد عبر التواصل مع البنك، كما وتضمن التحديث إتاحة إمكانية تقديم خدمة فتح الحسابات البنكية عن بُعد، وذلك حسب الإجراءات النظامية، مع التأكيد مرة أخرى على عملاء البنوك والمؤسسات المالية بضرورة أخذ الحيطة والحذر من العمليات الاحتيالية. أخلص القول: إن الإجراءات والتدابير الاحترازية المؤقتة التي أعلن عنها البنك المركزي السعودي، قد تبدوا للوهلة الأولى بأنها مزعجة ومقيدة لتعاملات عملاء البنوك، وبالذات فيما يتعلق بتوفير السرعة والسهولة والمرونة لتعاملاتهم، وإن كان في ذلك شيء من الصحة، ولكن برأيي أن قرار البنك المركزي قد جاء مواتياً وسليماً وفي وقته لحماية عملاء البنوك من الاحتيال المالي، وأيضاً لإتاحة الفرصة للتقييم ودراسة جوانب الضعف بالخدمات التي تم تعليقها بما في ذلك الكشف عن الثغرات ومعالجتها لتصبح تلك التعاملات أكثر مأمونية وأقوى سلامة وقدرة على المحافظة على أموال العملاء. وهذا بالفعل ما قد تم خلال الأيام القليلة الماضية باتخاذ البنك المركزي لبعض الخطوات الإصلاحية السريعة خلال الأيام الماضية القليل أو يُعرف ب Quick Fixes لتوفير المزيد من الحماية لعملاء البنوك، ومن ثم إصداره لتحديث لتلك الإجراءات وإعادتها إلى سابق عهدها قبل التعليق. أختم المقال بالدعوة مرة أخرى إلى إنشاء كيان حكومي مركزي على مستوى الدولة لمكافحة الاحتيال المالي، بحيث تكون من بين مهامه، استلام البلاغات ومباشرة التعامل معها ومعالجتها، على أن يُمنح صلاحيات واسعة تُمكنه من تحليل أنواع جرائم الاحتيال المالي وتصنيفها تبعاً لخطورتها، وكذلك التحري واستصدار مذكرات وأوامر القبض والتوقيف بالتعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة، بما في ذلك وضع التشريعات وسن القوانين والعقوبات ووضع الإجراءات والتدابير التي تسهم بفاعلية في الحد من جرائم الاحتيال المالي ولربما القضاء عليها.