ذات مساء جميل في شهر رمضان المبارك أي قبل "10" سنواتٍ وأكثر، كنت أتجاذب الحديث مع كبيرة في السّن - رحمها الله - وكان الحديث عن قصتها في حملها بأحد أبنائها في إحدى السنوات العجاف الماضية، تقول كنت أشرب القهوة مع إحدى الجارات الزائرة لي صباحاً فأتاني المخاض فاستئذنتها للدخول إلى داخل المنزل ثم ولدت بابني، وجلست قرابة النصف الساعة فعدت إليها أحمل ابني وهي تُبارك وتهنئني بالسلامة وتبارك لي بالمولود، قلت لها أستحلفك بالله هل القصة حقيقية؟ فحلفت لي إنها حقيقية وهناك شهود ثم قلت ما أصغرنا أمهات اليوم عند عظمتكم وشجاعتكم وقوة تحملكم.! فقالت ألم تسمعي بقصة فلانة أيضاً إنها جارتي ذات ظهيرة دخل عليها زوجها لتذهب معه إلى رعي الغنم وكان المكان بعيداً عن المنزل فأركبها الحمار وهي حامل في الشهر التاسع وفي أثناء الطريق أتتها آلام المخاض فذهبت خلف الجبل لتلد ابنتها وأكملت طريقها وابنتها المولودة معها على ظهر الحمار، حتى وصلت إلى مكان رعي الغنم، هُنا كبّرت واندهشت وقارنت كيف لامرأة هشة العظم وقليلة الصحة بحكم حملها أن تتحمّل وتَلد بدون مساعدة أحد وبدون إبرة بنج وبدون أوكسجين مخدر وبدون أدنى مقومات الحياة، سردت قصصاً كثيرة لنساء تحملن شقاء الحياة وضنك العيش في ذلك الزمن وكيف أنهن كنّ صبورات مُطيعات، وكانت بين كل قصة وقصة تقول لي (ليس مثلكن يا بنات اليوم). في اليوم التالي تحدثت مع أمي عن القصص التي ذكرتها المرأة - رحمها الله - فقالت بل كُنّا في حياة بسيطة لم نكن نشتكي منها من ضيق أو هم كُنّا ربّات منزل بدكتوراه فخرية من جامعة الحياة، فقلت بل أنتن نساء من حديد. نظرت إلى حالي وحال جيلي فوجدت أننا نشتكي ونتذمر على أتفه الأشياء، ولا نرضى بالقليل، بل نُريد المزيد، وربمّا لأننا جيل عاصر بداية التقنية والتكنولوجيا من التلفاز والكمبيوتر إلى ثورة السوشل ميديا، فلذلك لا يوجد مقارنة أبداً بيننا وبين رائعات الزمن الماضي، رحم الله جداتنا وأحبابنا القدامى وأطال الله في عمر الأحياء منهم.