لوحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا وفي أكثر من مناسبة بعواقب لكل من يحاول جعل روسيا تفلت من طائلة العقوبات التي فرضت عليها بسبب غزو أوكرانيا، وخصت واشنطن بالذكر الصين حيث حذرتها بشكل مباشر من الإقدام على خطوات مثل هذه، لكن هل لقيت تلك التحذيرات آذانا صاغية في بكين؟ وعلقت المحللة السياسية الأميركية جوديث بيرجمان بقولها في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إنه: "بالرغم من العقوبات الغربية المشددة على روسيا، استمرت حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا لأكثر من شهر ولا يُظهر بوتين أي علامات على التراجع، والقوة التي تساعده على تحمل آثار العقوبات ومواصلة الحرب هي الصين، أقوى حليف لروسيا". وقبل وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، أبرمت روسياوالصين عقودا بقيمة مئات المليارات من الدولارات. وفي 4 فبراير، أعلن بوتين عن صفقات نفط وغاز روسية جديدة مع الصين بقيمة تقدر بنحو 117.5 مليار دولار، وفي 18 فبراير، قبل ستة أيام من الغزو، أعلنت روسيا عن صفقة بقيمة 20 مليار دولار لبيع 100 مليون طن من الفحم إلى الصين، وفي يوم الغزو، وافقت الصين على شراء القمح الروسي، بعد أن رفعت القيود التي كانت مفروضة سابقا بسبب المخاوف بشأن الأمراض النباتية. كل هذه الصفقات، من خلال تقويض العقوبات الغربية على روسيا، هي شريان الحياة لبوتين وحربه على أوكرانيا، بحسب بيرجمان. فالصين، ربما بعين طامعة تجاه تايوان، لم تقم بإدانة غزو روسيالأوكرانيا، وذكرت مراراً أنها ضد فرض عقوبات على روسيا، ووصف نائب وزير الخارجية الصيني لي يوتشنج العقوبات الغربية بأنها "مشينة". ولم تحاول الصين حتى إخفاء أنها تواصل القيام بأعمال تجارية مع روسيا، وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج ون بين في مؤتمر صحفي: "ستواصل الصينوروسيا إجراء تعاون تجاري طبيعي بروح من الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة". وتقول بيرجمان: "لا يوجد شيء جديد أو مفاجئ في قرار الصين بتوفير شريان الحياة الذي يمكن بوتين من البقاء واقفا على قدميه". وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في مارس 2014 وقوبلت بعقوبات غربية، اتجهت روسيا إلى الصين، وفي مايو 2014، وقعت روسياوالصين صفقة توريد غاز بقيمة 400 مليار دولار، مما يجعل الصين ثاني أكبر سوق للغاز في روسيا بعد ألمانيا. وجاء في تقرير صدر في فبراير 2015 عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ما يلي: "بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على روسيا (في عام 2014)، اتخذ بوتين منعطفا دراماتيكياً تجاه الصين ووقع سلسلة من الصفقات، بما في ذلك صفقة بقيمة 400 مليار دولار لتصدير الغاز إلى الصين في مايو الماضي". وأضاف التقرير: "تحاول موسكو الآن إعادة توجيه اقتصادها بالكامل نحو آسيا كوسيلة للتخفيف من التأثير السلبي للعقوبات الغربية، وفي الوقت نفسه، وفرت الأزمة الأوكرانية بالنسبة للصين فرصة فريدة لزيادة وصولها إلى الموارد الطبيعية الروسية، وخاصة الغاز، والحصول على عقود لمشاريع البنية التحتية وأسواق جديدة للتكنولوجيا الصينية، وتحويل روسيا إلى شريك صغير في العلاقة بين البلدين". وترى بيرجمان أنه بالإضافة إلى تقويض العقوبات من خلال تجارة السلع الأساسية، ربما تساعد الصينروسيا أيضا على إخفاء أموالها. ووفقا لمجلة فورين أفيرز: "ربما تكون روسيا قد خبأت عشرات المليارات من الدولارات من الأصول الاحتياطية في حسابات خارجية مبهمة، حيث تحتفظ بأوراق مالية مقومة بالدولار بعيداً عن متناول العقوبات الدولية وتجميد الأصول. هناك علامات أيضا على أن روسيا ربما تكون قد نقلت بعض دولاراتها بمساعدة حكومة أجنبية، ولم يتضح بعد الوسطاء الذين كانت روسيا ستستخدمهم لإخفاء سندات الخزانة في الخارج، ومع ذلك، فإن أحد الاحتمالات القوية هو الصين، التي يبدو أن بوتين متحالف معها الآن". وترى بيرجمان أنه على الرغم من كل ما سبق، تواصل إدارة بايدن الحديث عن الصين كما لو كانت لا تزال هناك حاجة إلى دليل على أنها تقوض العقوبات المفروضة على روسيا. وفي 18 مارس، حذر بايدن، في مكالمة فيديو مع الرئيس الصيني شي جين بينج، من أنه ستكون هناك "تداعيات وعواقب إذا قدمت الصين دعما ماديا لروسيا"، ولكن دون أن يكون محدداً، حتى أن مسؤولاً أميركياً كبيراً لم يكشف عن اسمه قال: "لم يكن الرئيس في الحقيقة يقدم طلبات محددة من الصين، أعتقد أن وجهة نظرنا هي أن الصين ستتخذ قراراتها الخاصة". وتقول بيرجمان أنه من الواضح أن الصين تقدم مساعدة مادية لروسيا، وتتساءل قائلة: "إذن أين هي العواقب؟" وتؤكد بيرجمان في ختام تقريرها إن إدارة بايدن، من خلال التهديد المتكرر ب "العواقب" وإصدار "تحذيرات" للصين، إذا ساعدت روسيا على تقويض العقوبات، تواصل فقط إظهار التردد والضعف والافتقار إلى القيادة، إن التكرار المستمر لهذه التحذيرات دون إجراءات متابعة من قبل إدارة بايدن لن يؤدي إلا إلى فقدان إضافي للمصداقية والمزيد من تدهور الردع الأميركي على حساب الغرب.