منذ إنطلاق رؤية المملكة 2030، ولا تزال الشركات العائلية لا تواكب متطلبات هذه الرؤية بالقدر الكافي وما تحتاجه من تغيرات جذرية في آلية العمل بتلك الشركات حتى تستطيع المساهمة في تحقيق أهداف هذه الرؤية وآمالها. فبعض الشركات العائلية لا تزال تمارس مفاهيم وأفكار سابقة انتهت وولت وعاف عليها الزمن (أعمال تجارية تقليدية، قليلة الجهد والتكاليف)، وجميعها يصب في اتجاه الحصول على مكاسب سريعة وكبيرة دون المساهمة في خلق الوظائف لاستيعاب الاحتياج الحالي للأعداد الوفيرة من الطاقة الشبابية الهائلة، أو أن يكون هناك إبداع بحيث يكون لأعمالهم إضافة حقيقة في السوق. ولعلي مؤمن إيماناً كاملاً بأنه لو لم تتغير تلك الشركات في سياساتها وتوجهاتها وطريقة عملها لتواكب التطور السريع والمنافسة الشرسة واحتياجات السوق المحلي والدولي، فأعتقد بأنها في طريق الزوال عاجلاً أم آجلاً. صحيح، أن هناك نماذج لبعض الشركات العائلية التي أثبتت قدرتها على مواكبة التغيير والمتطلبات الواقعة عليها، وتحملت المسؤولية الوطنية تجاه رؤية المملكة 2030، وضربت نماذج يحتذى بها في الإدارة والتخطيط السديد، إلا أن هذه النسبة قليلة جداً أمام العدد الكبير من الشركات العائلية الأخرى التي تحتاج إلى إعادة توجيه بوصلتها وتصحيح مسارها لكي تواكب متطلبات التغيرات المحلية والدولية. ولعلي أحلم أن أرى في يوم من الأيام شركات عائلية سعودية تصبح مثل الشركات العالمية المعروفة، مثل: شركة فورد أو جوتشي أو غيرها من الشركات العالمية الأخرى التي بدأت كشركات عائلية لتصبح بفضل التخطيط الاستراتيجي الصحيح ومواكبة التغيرات شركات عالمية عملاقة في مجالها، ولها فروع في كل أنحاء العالم، وقادرة على المنافسة القوية والتأثير الاقتصادي عالمياً. لعلي أرى من منظوري القانوني التجاري الدولي أن تلك الشركات العائلية بحاجة إلى أربع أمور رئيسة؛ أولاً: أن تقوم كل شركة عائلية بوضع خطة استراتيجية لها لفترة الخمس أو العشر سنوات المقبلة، على أن تتوافق تلك الخطط مع توجهات وأهداف رؤية المملكة 2030 والتغيرات العالمية، وبحيث يكون بتلك الخطط حجز مواقع تلك الشركات إقليمياً وعالمياً. فلم أرَ في يوم من الأيام أن قامت شركة عائلية بالإعلان عن وضع خطط استراتيجية متوسطة وطويلة الأمد كخطط خمسية أو عشرية لها تشمل الانطلاق نحو العالمية، حيث أن الغالبية العظمى من الشركات العائلية حالياً تتعامل وفقاً لمعطيات وقتية فقط دون وجود خطط استراتيجية مستقبلية واضحة. فمثلاً لا بد من إدخال شق للتصنيع المحلي حال هناك ارتباط بشكل أو بآخر بالصناعة، أو أن يتم إدخال شق بالاستفادة من الخدمات اللوجستية وموقع المملكة الجغرافي المتميز، أو الاستفادة من المميزات المتوفرة في العلا أو نيوم مثلاً. ثانياً: إن الغالبية العظمى في الشركات العائلية لا توجد بها لوائح واضحة للحوكمة السليمة، أو موجودة بها مثل تلك اللوائح ولكن غير مفعلة بالشكل الصحيح، فالكثير منها تجد أن لجانها ومجلس إدارتها في بعض الأحيان صوري ولا يعمل بالشكل الصحيح، بالإضافة إلى أن الاختيارات لعضوية مجلس الإدارة قد لا تخدم الشركة وتوجهاتها. ثالثاً: تفعيل دور الرقابة والمحاسبة، عن طريق منح إدارة ولجنة المراجعة الداخلية وغيرها من الإدارات الأخرى المساندة المزيد من الصلاحيات والقوة من أجل ممارسة أعمالها بالشكل الصحيح لحماية مصالح الشركة وأعمالها، فمن دون وجود رقابة ومحاسبة فاعلة والتي تشمل الجميع، لن تستطيع الشركة العمل بالشكل الصحيح ووفقاً لما هو مطلوب. رابعاً: استقطاب واختيار الكفاءات المناسبة، ولعلها إشكالية كبرى لدى عدد كبير من الشركات العائلية. فمثلاً نجد شركة عائلية تفاخر باستقطاب اسم لموظف كبير عالمياً في مجال ما، قد لا يتوافق أحياناً مع توجهاتها واستراتيجيتها وأعمالها أو أن يكون لا حاجة لمثل هذه الكفاءة داخل الشركة، وهو ما يرهق الشركة مادياً، وكذلك يربك أعمال الشركة طيلة وجود هؤلاء الموظفين. فمن الضروري أن يكون الاستقطاب والاختيار لتلك الكفاءات بناءً على الاحتياج الفعلي فقط، وأن يكون هناك إضافة فعليه لهذا الاستقطاب. ومن الضروري التركيز على استقطاب واختيار الكفاءات الوطنية المناسبة والمدربة التي تفوقت بشكل كبير على نظرائها الدوليين وأثبتت قدرتها المتميزة في القيادة والإدارة والتخطيط السليم، وقيادة التغيير وفقاً لأفضل التجارب والنماذج العالمية. وختاماً لعلي أقترح ضرورة أن يقوم المركز الوطني للمنشآت العائلية، بمساعدة الشركات العائلية بشكل مباشر في رسم استراتيجياتها الخمسية والعشرية التي تواكب رؤية المملكة 2030 عن طريق تقديم برامج وورش عمل بهذا الخصوص، وكذلك التعاقد مع شركات متخصصة من أجل مساعدة الشركات في إعادة هيكلتها وترتيب أولوياتها ووضع خطط ممنهجة لها. ولا بد أن تكون هذه الخطط جاهزة لزاماً خلال مدة معنية، من أجل أن تكون متوافقة مع توجهات رؤية المملكة 2030. كما أنه لا بد أن تقوم الجهات الرقابية في المملكة مثل وزارة التجارة وهيئة السوق المالية ووزارة الموارد البشرية بزيادة دورها الرقابي والمحاسبي على تلك الشركات وفقاً لاختصاصها من أجل المساهمة في تحقيق التطلعات والآمال الواقعة عليها. * أكاديمي ومستشار قانوني