تواجه مدينة كايب تاون منذ أربع سنوات أزمة جفاف غير مسبوقة، فيما يخيّم شبح على العاصمة السياحية لجنوب إفريقيا أطلق عليه "اليوم الصفر"، وهو اليوم الذي ستجفّ فيه الأنابيب تماما. وفيما يغتسل رواد شواطئ كايب تاون الرائعة بالمياه لإزالة الرمل عن أقدامهم، يعبّر شادراك موغريس عن امتعاضه وهو يملأ برميله بالماء، إذ لا مياه في مراحيض منزله. في انتظار أن يمتلئ برميله، تروي مرشات تلقائية الكروم الواقعة على التلال، وتتدفق المياه من الصنابير، لكن ليس في الأماكن كلّها. لا تصل المياه إلى بلدة خاييليتشا، وهي إحدى أكبر بلدات جنوب إفريقيا، إلا بشكل متقطع، وغالباً ما يكون ضغطها ضعيف فيما تنقلها أنابيب متقادمة. يستيقظ شادراك موغريس باكراً في الصباح ليملأ خزانه طالما أنّ المياه تصل. أما الكمية المجموعة في الخزان، فبالكاد تكفي العائلة المؤلفة من ستة أفراد لتقضي حاجاتها اليومية من شرب وغسيل. ويوفّر الوالد يومياً كمية قليلة من المياه لاستعمالها في المراحيض، إذ لا يستخدم الشفّاط إلا مرة واحدة في نهاية اليوم. ويقول "إنّ الأمر بمثابة إهانة يومية". ويضيف "في منزلنا حمامات ومراحيض لكنّنا لا نستطيع استخدامها". وفي بعض الأحيان، يذهب أطفاله إلى المدرسة من دون شرب أي قطرة ماء. من سيّئ إلى أسوأ حاول موغريس الاتصال بالجهات المعنية لكنه لم ينجح بالتواصل معها، فيما تنقل صهاريج تابعة للبلدية ومن وقت إلى آخر كميات غير كبيرة من المياه إلى المنازل، لكن ليس بصورة دائمة. ويقول سانديل زاتو الذي يعيش في منزل مجاور "ليس أمامنا خيار إلا بالاستيقاظ صباحاً لملء خزاننا قدر الإمكان بالمياه". أما في حدائق الأحياء الراقية في شبه جزيرة كايب تاون، فالمسابح ممتلئة طوال السنة. لكن خلف المناظر المذهلة والتلال الخضراء التي تنتشر على سفوحها رمال بيضاء، لا تصل مياه الشرب إلى حوالي ثلاثين حياً، فيما تُحرَم من هذه المادة الحيوية كذلك ضواح وأحياء تقطنها الطبقة الوسطى. وخلال فترة الجفاف، بُذل مجهود جماعي، إذ كان كل شخص يدير كمية المياه المستهلكة في منزله، وحدّ من ريّ المزروعات واعتاد أن يقود سيارة متّسخة. ويقول موغريس "في ذلك الوقت، كنّا ندرك جميعنا المشكلة، أما اليوم فالمياه متوافرة ونحن نعلم ذلك، ما يمثّل أمراً أسوأ". وتؤكد البلدية أنّها توظّف مبالغ كبيرة لإصلاح البنية التحتية المتداعية. وأتاحت حالة الطوارئ التي أُعلنت جراء كوفيد-19 الحصول على أموال إضافية لتوفير المياه للسكان. ويقدّم المسؤول عن إدارة المياه في البلدية زاهد بدروديان حججاً تتعلق بانعدام الأمن في بعض الأحياء، ويقول إنّ "شاحناتنا تُستهدف فيما يتعرض موظفينا لعمليات سطو تكون مسلحة أحياناً". ويعتبر بدروديان أنّ موجة جفاف جديدة ستصل "حتماً". وفُرضت خلال السنوات الفائتة قيود على استهلاك المياه من وقت إلى آخر في مدن كثيرة من جنوب إفريقيا الذي صنّفه البنك الدولي أخيراً أكثر بلد تسوده عدم المساواة في العالم. وترى الخبيرة في المياه في جامعة ستيلينبوش يو بارنس أنّ كايب تاون لا تخطط للكارثة المقبلة كما يجب. وتقول: "عدم التخطيط لمواجهة الجفاف المقبل الذي قد يكون وشيكاً يمثّل عملية انتحارية"، وفي ظل الارتفاع المستمر في عدد السكان "نتّجه إلى كارثة لن نُنقذ منها إلّا إذا فعلنا شيئا سحريا".