نستكمل في هذا اليوم عرض الجزء الثاني والاخير من مخطوط ديوان فهيد المجماج، للأديب الشيخ سعد بن جنيدل ت(يوم الثلاثاء 24 جمادى الأولى 1427ه) رحمه الله والذي حصلت عليه منه رحمة الله قبل أكثر من عشرين عاماً والذي جاء، ب18 صفحة حيث وضع له غلاف بسيط واستهل الديوان بالحديث عن حياته ثم خبر ثم شعره ومنزلته بين الشعراء ونستكمل اليوم حيث استهل في حبه ومرابع صباه: تقدم القول انه نشأ في بلدة الأثلة موطن اسرته وعاش فيها حياته، وهي من البلدان الواقعة في عالية نجد ذات المراعي الجيدة والمياه الوفيرة، يعمل عامة اهلها في الزراعة، وممر بها قبائل عتيبة في انحدارها في فصل الشتاء ويقطنون فيها، يشربون من آبارها ويرعون في براريها في فصل الصيف، في هذه البلدة الحضرية يلتقي مجتمع الحضر المقيمين بمجتمع البدو الرحل في ائتلاف ووئام خلال فترة لا تقل عن ثلاثة اشهر من كل عام، وفي هذه البيئة المتجددة بين آن وآخر علق فهيد المجماج بحبه الأول في شبابه المبكر وقال الشعر متغزلا وباح بحبه وأعلنه وأنشد واشتكى وآلمه حرمانه فحزن وبكى، كان حبه الأول حضريا محضاً وكانت امها، قريبة له احبها حباً شديدا وافتتن بجمالها وقال فيها شعرا كثيراً غير انه حرم من الزواج بها، وذلك ان اباها زوجها من ابن اخيه وفي ذلك يقول فهيد: عز الله انه من عربنا الموالين لا شك عداني صليب الجدود يقول ان محبوبته من اقاربه المجاورين له غير ان من هو اقرب اليها نسباً يعني ابن عمها حال بينه وبينها فلم تنفعه قرابته لأمها. فمعاناته الأولى في حبه حضرية نشأت في بيئته ومارس حبه فيها مشبوب العاطفة دنف الفؤاد قد شعر بمرارة الحرمان وامتلأت نفسه باليأس المضني فزاده ذلك حرقة والهب عاطفته وصور ذلك في عبارات شعرية رقيقة مليئة بالحسرة والآهات. وبعد ان حيل بينه وبين رغبته في الحضر وبعد ان تزوجت ابنة عمته حسن بابن عمها وصد عن هوى نفسه وأيس منها وخابت مطامعه في حبها نجد انه انتهج في حبه نهجاً بدويا، فهوى هوى جديداً فأحب امرأة بدويه وقال فيها شعراً ممتازا صور فيه مقطان البدو في فصل الصيف وصور فيه حالهم في حلهم وترحالهم ويمكن القول ان شعره الأخير كان اقوى سبكا وأبرع تصويرا من شعره الأول، ولعل ذلك يرجع الى ان شعره الأول كان بداية المعاناة الشعرية وأن شعره الأخير كان ثمرة نضج عاطفي وقدرة شعرية تجاوزت حد التجربة وبلغت درجة من المهارة والاتقان. وفي تتبع اخباره وقصائده ما يعطى المتأمل دلائل واضحة على ملامح شخصية الشاعر وآثار بيئته على شعره. ومن استعراض شعره وتأمل اخباره. يتضح لنا انه لم يخرج في شعره عن محيط بيئته التي نشأ فيها، ولم يتجاوز في حبه مرابعها. كان فهيد مولعا بحسن بنت محمد بن حمود العويويد وذات ليلة رأها وهي آتية من نخل ابيها ماشية الى البلدة، وكان معها امرأتان من اسرتهم، فأصاب قدمها عود فأهوت لتنزعه من قدمها فوقفت رفيقتاها الى جانبها ريثما تنزعه وكان يراها، وكانت الليلة مقمرة، فقال: يا راكب اللي ما لخيه ظلافه ولا داره الجمال يدني العلف له(1) مأمون توه يصطفق في عسافه لو طال طيول المدى زاد جفله (2) يا دار يا دار العنا والتلافه وين الغضي ويش امره اللي صدف له (3) تقول اخيله يوم عقب سنافه واليوم ما ادري وين درب ذلف له (4) يا دار ياما جيت لك بانصرافه نوب على عينه ونوب بغفله (5) يا دار ياللي مثل بو وقافه تبهل عليه الطايله وتعطف له (6) البارحه شفت الحبيب خطافه علمك بشوف الليل ما ينعرف له (7) وبوي ما ازين وقفته بانحرافه والكل منهن يوم دنق وقف له (8) كان فهيد يؤمل في الزواج من محبوبته لما بينه وبينها من القرابة فهي بنت عمته غير أن أباها محمد المحمود العويديد زوجها من ابن اخيه عبدالله بن عبدالهادي العويويد الذي نشأ يتيما فكفله وتربى تحت رعايته واختاره زوجا لابنته فلما كانت ليلة زفافها على ابن عمها جزع فهيد جزعا شديدا وأتى الى عمته امها وشكى اليها ما يعانيه من حزنه وبكى فقالت له عمته يا ولدي لا تبك فالنساء كثيرات وفيهن مثل حسن وفيهن اجمل منها فزاده ذلك غما وحسرة، وقال: يا ونتي ونه ضعيف إلى هين وواجرحي اللي كلما له يكود(9) والناس فكروا بي ولاهمب دارين وان سايلوني قلت ذا لون عودي(10) ظنوا لهم ظن ولاهمب دارين ظن وأنا ما أعلمتهم في سدودي(11) أنا اطلب الله يا هلي قولوا آمين عسى العجايز في جحيم الوقود(12) اللي يقولن للحبيب حليين وكل العذارى من عشيرك وزود(13) لا تاهمون بظنكم يا مساكين والله ما لزين معكم مقود(14) والله ما أنتم للحبيب ملادين لا بالجمال ولا بحسن الوقود(15) يا زين من بين العواتق نظيمين فارقهن اللولو بحلقه عقود(16) عليه من صيخة بريده مثامين تسعين مانا كاذب في عدودي(17) أوي خل بس لولاه جافين ولولاه يمحني بكثر الصدودي(18) تكفين يا طفل المهى لا تصدين ترى صدودك مرث بي لهودِ(19) يا عين وكري ربته الشياهين ما ياقع إلا فوق روس الحيودِ(20) عساك يا دار جفيتيه تسنين ولا تجيك محلتمات الرعودِ(21) عز الله إنه من عربنا الموالين لا شك عداني صليب الجدودي(22) كان فهيد عميد الفؤاد بحب ابنة عمته ولم ينه من ولعه بها حتى بعد ان تزوجت بابن عمها وايس منها وقد اشتد حزنه عليها وكثر بكاؤه، يقول: يا جر قلبي جرد لو إلى ميل ذولا يجرونه وهذاك يلقاه(23) أبكي بكى ورع بشهر الزهاميل على عشير فاتني واعلي آه(24) عليه محال الضماير زلازيل بحوض من فقده ومن شد فرقاه(25) والقلب من مشاه غاد جواديل من كثر ما والله يدوشه وياطاه(26) يا معزل مرباه روس الغراميل ما ذاره العناص يوم بمرباه(27) يا زين عنقه بين هاك العثاكيل وعواتق كن القدا طيس حلياه(28) إلى طار عنهن الغطا غب تجديل بين نظيم قليداته وغطاه(29) وخدود يوضن كنهن القناديل والزين كله ناقع بين حجاه(30) وخده زهى بفريدته والمحاحيل ومريسن يشطن على حد مثناه(31) وعيون خرس مثل نقع الشهاليل ما أحرق هدبهن المداوي ولا جاه(32) ومن لامني يعطي العمى والحراويل وباقصى توابيك من النار مثواه(33) كان الملابسة من الدعاجين من قبيلة عتيبة يقطنون في الاثلة خلال فترة الصيف يشربون من آبارها، فقويت صلات الإلفة وحسن الجوار بينهم وبين اهالي الاثلة، وكان رئيسهم مرزوق الهيضل وابن اخيه مناحي بن خالد الهيضل وكان مناحي شاعراً وفارساً مغواراً وكان سخياً كريماً، وفي ذات سنة عندما انتهت فترة المقطان وعزموا على الرحيل ورأى اهل الاثلة مساءً ان الجمال قد ردت والبيوت قد قوضت استعداداً للرحيل غداً في الصباح اتوا الى منزل رئيسهم ليودعوهم، فدعاهم مناحي بن خالد الى الحضور عنده ليلاً فأجابوه الى ذلك فأخبر جماعته وقال لهم ان اهل الاثلة سيأتون الينا الليلة وسنقيم معهم سهرة وداع فعلى كل من رغب في الحضور الى مجلسنا ان يأتي بقصيدة او قصة طريفة ممتعة، فلما التقوا ليلا اهل الاثلة وجيرانهم الملابسة في منزل مناحي بن خالد تجاذبوا اطراف الاحاديث، ثم سار الحديث دورياً، فآت بقصيدة وآت بقصة، وكان الشاعر فهيد فيمن حضروا، وقد جلس الى جنبه خاله، وكان اسمه عميرين، وكان لا يقول شعراً فقال لفهيد انت تقوم بدوري ودورك، فلما اتى دور فهيد قال انا اقوم بدوري وبدور خالي عميرين في هذه السهرة، وانشد قائلاً: لا والله اللي صلموا ياعميرين وشألوا على بيض الغوارب زهابه (34) البارحة فوق الركايا مقمين ونيرانهم كن البروق اشتابه (35) واليوم ماغير الرخم والمعاطين ومنازل ماكن حي وطا به (36) طريقهم ياطا الثمد منه ويمين وغد الهم دون الأسمير ضبابه (37) يتلون أبوخالد زبون المتلين الى جالهن عند اللحيق انحطابه (38) اوي جيران على الكبد حلوين مثل الحليب اللي لذيذ شرابه (39) لا والله اللي جوا وراحوا على زين ولا عذبوا جيرانهم بالطلابه (40) بهذه الابيات المؤثرة وصف فهيد رحيل جيرانهم وعبر عن تفرقهم، وتأسف له واثنى عليهم في حسن جوارهم، ويقال انه حينما انشد هذه الابيات رقت لها القلوب وتذارفت العيون وبكى جميع الحاضرين وجعلوها ختام سمرهم. وقال فهيد ايضا في رحيل مناحي الهيضل وجماعته متذكرا حبه فيهم ويرامق بعينيه جمال محبوبته التي ارتحلت معهم حتى بعدوا عنه واختفوا فيما بين العبل والشفية: لا والله الا اخلوا جناب العدود امسى جناب العد خال عليه (41) معاد جانا من عربهم ريود والليل يضوي واضوى له رعيه (42) يامربعه يسقيه وبل الرعود يمطر عليه بليلة هيد بيه (43) اخيلهم لين اتقوا ياحمود لين اتقوا بين العبل والشفيه (44) ما عنك يانابي الردايف صدود لك شوفة ما هيب شوفة سهيه (45) وقال فهيد ايضاً في رحيل قبيلة الملابسة: لا والله الا شدوا البدو نجاع كل هدم مبناه وارتد زمله (46) شد الشديد وقربوا كل مطواع وراعي المودة فرق البين شمله (47) شدوا ودنوا اللحني كل مطواع كل اشقح ما احسن قرينه ورحله (48) غد الهم دون الرفيعة تمزاع كل بغى درب عزل وانقسم له (49) اقفوا كما نو نثر ماه وانزاع برقه يرفرف والسدى يرتدم له (50) وابكرتاه اللي غدت بين الاقطاع وابعد دورتها على اللي جهم له (51) الهقوة انه يم يخنه بالاوقاع والامع اللي سندوا مستهمله (52) لاهيب لاحاشي ولاهيب مرجاع عفرا فتاة وراعية ماوسم له (53) ياغصن موز ناعم له تمر باع ومنين واهب الهوى مال حمله (54) راعي هدب عين مظاليل ووساع خرس عيونه والمحاجير جمله (55) (1) خلافه: صفائح الرحل.(2) توه: ما زال. جفله: ذعره.(3) وين : أين؟. الغضى: الناعم الغض.(4) ذلف: ذهب مبعداً. (5) جيت: جئت. نوب: مرة.(6) وقافه: معلق للتلهية عن الهم.(7) خطافه: رؤية سريعة.(8) دنق: انحنى.(9) يكود: يشتد.(10) عودي: بنية حسمي الناحل.(11) سدودي: خفايا قلبي.(12) هلي: أهلي، ذو قربائي(13) حيلين: مماثلين وأشباه. وزود: أجمل منه، يزدن عليه جمالاً(14) مقود: مير ومماثلة.(15) ملادين: مشابهين ومماثلين.(16) نظيمين: عقدين من اللؤللؤ والخرز الأحمر من العقيق.17) مثامين: ما يساوي ثمناً.(18) بس: بمعنى فقط، وكفاية.(19) تكفين: رجاء. مرث: مبق.(20) وكري: صقر لم يغادر عشه بعد(21) تسنين: تصابين بالجدب، محلتمات: السحاب المتصل رعده.(22) عزالله: بمعنى علم الله، أو شهد الله. من عربنا: من قرابتنا، لاشك: لكنه، عداني: أبعدني عنه، صليب الجدود: قريب النسب من ناحية آبائها وأجدادها.(23) يلقاه: يتناوله بيده.(24) شهر الزهاميل: شهر الولادة، شهر اللفايف.(25) زلازيل: ؛ثيرة الحنين.(26) جوادي: طرق، يدوشه: يداهمه.(27) الغراميل: كثبان الرمل.(28) العثاكيل: ذوائب الشعر. (29) غبّ: بعد.(30) يوضن: يضيئن، حجاه: حاجبيه.(31) زهي: جمل، فريدة: زميم.(32) خرس: بخل، الشهاليل: ماء القلات العذب.(33) الحراويل: الاقعاد عن المشي(34) صملوا: عزموا على الرحيل، شالوا: حملوا، بيض الغوارب: الجمال، بيض الأمتان. زهابه: ادوات البيت(35) كن: كأن. (36) ماغير: لا يوجد في منازلهم.(37) الثمد: مورد ماء عذب في اسفل وادي الاثلة. ضبابة: مرأى قاتم.(38) المتلين: المتخلفون في ميدان الحرب. انحطابه: اندفاع.(39) أوى: بمعنى أي جيران للتعجب والمدح.(40) اللي جوا: الذين جاءوا.(41) العد: البئر الغزير الجم.(42) ريود: زوار، يضوي: يأتي(43) هيدبية: مظلمة مطيرة(44) اتقوا: اختفوا العبل: جبل ابيض في اعلا وادي الاثلة. الشفية: تصغير شفيته، شعب يدفع في بطن الوادي من جانبه.(45) شوفة: مرأى. ماهيب: ليست. سهية: طفلة صغيرة مرت امام الشاعر وهو ينشيء قصيدته، وكان منظرها قذر شعث.(46) شدوا: ارتحلوا، نجاع: رحيل ناء. زمله: جماله.(47) مطواع: جمل مذلل للرحل.(48) الحنى: عصي الغيط. اشقح: ابيض ناصع.(49) الرفيعة: بئر المجماج في اعلا وادي الاثلة. تمزاع: تفرق سريع.(50) انزاع: سار مسرعا. السدى: خفيف السحاب.(51) وابكرتاه: نداء تألم. جهم: انطلق آخر الليل في طلبها.(52) الهقوة: الظن. الاوقاع: التوقع. مستهملة: تسير دون راع.(53) لاهيب: ليست. حاش: حوار صغير. مرجاع: قدر حلت في المسنى.(54) تمرياع: تثن في لين. منين: من أين.(55) مطاليل: طويلة الشعر. خرس: ذات حور. رحم الله الشيخ سعد بن جنيدل وجزاه الله خيرالجزاء على كل ماقدمه من عمل وجهد وحبذا لو أن الشيخ تطرق في عمله هذا إلى تاريخ وميلاد الشاعر فهيد المجماج وتاريخ وفاته. حبه ومرابع صباه غلاف المخطوط لا والله إلا شدوا البدو نجاع علي الموسى