إذا تعمقت عزيزي القارئ في التفكير في واقع مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الغربية ستجد أن المشكلة ليست فردية أو بشرية على الإطلاق وإنما المشكلة تكمن في التكيف مع الأوضاع أو الظروف البيئية المحيطة، وستكتشف أيضاً أن الإنسان متناقض الطباع، فهو فوضوي في الأساس، ولكنه في الوقت نفسه يحب النظام ويحب تطبيقه وفي هذا المقال سنتناول جذور هذه القضية الشائكة، وكيف ترعرعت، وأثر هذا الترعرع على الشرق الأوسط وبالأخص المجتمعات العربية والدول النامية اقتصادياً وصناعياً. عانت الدول والمجتمعات العربية على مدار تاريخها من أطماع الغرب باحتلال أراضيها وتدميرها لسنوات وسرقة ثرواتها واتجهوا بعد ذلك للسيطرة الاقتصادية على الدول العربية. ولم يتوقف الغرب عن أفكاره الخبيثة والمدمرة لنا نحن العرب فمنذ بروز دور السوشيال ميديا في التأثير على المجتمعات وخاصة أثناء ثورتي مصر وتونس عام 2011 ستجد أن الجيوش الغربية أو الأوروبية احتلت الأراضي العربية من دون أن يتحرك جندي واحد، ومن دون إسالة أي دماء، ستجدنا نحن العرب تأثرنا بثقافتهم الغربية وتنحينا عن تقاليدنا وعاداتنا، أصبحت بعض التصرفات التي كنا نراها خاطئة وأحياناً كارثية ننظر إليها اليوم بلا مبالاة غير طبيعية، فإذا نظرنا إلى ثياب الشباب ستجدها ملابس أوروبية خالصة، حتى أن بعضها يخالف تقاليد مجتمعنا، حتى تصفيفات الشعر غربية، كما أنهم استغلوا السوشيال ميديا في احتلال عقولنا وتوجهاتنا، فهم دائماً ينعتونا بدول العالم الثالث والمتخلفين والرجعيين والهمج، ألقاب تدل على التمييز العنصري وإعطاء الأفضلية للمواطن الأوروبي على العربي، والأسوأ من ذلك هو أنهم جعلونا نردد هذه العبارات دون تفكير وساعدهم على ذلك أفلامهم ومسلسلاتهم التي نقلوا لنا من خلالها عاداتهم وتقاليدهم ومثاليتهم المبالغ فيها. المواطن العربي الذي قد يخرق القوانين من أجل إنجاز مصلحة في دولته تجده في دولة أجنبية أو متحضرة تحول إلى قط وديع يطبق التعليمات، ويعلم أن له حقوقًا وواجبات، وإذا لم ينفذ واجباته أو خرق القواعد وقع عليه الجزاء. علاوة على ذلك تجد لاعب كرة القدم العربي عندما يبدأ في خوض مسيرته الاحترافية بأوروبا أو المدرب العربي عندما يذهب إلى الخارج أو يوجد حكم أوروبي في المباراة، تجد اعتراضاته هادئة ناعمة لا يستطيع التجاوز، ولكن عند عودته إلى دولته الأم سيشعر في داخله أنه سوف يتلقى الحماية من أي تجاوز لأنه مدرب لنادٍ عظيم أو أنه لاعب لنادٍ يشجعه أغلب المواطنين حينها سيتحول إلى وحش كاسر في وجه أي عنصر من عناصر اللعبة، وسيرى أنه على حق دائماً، بل سيرى أن الباطل حق مكتسب له. ولكن مع مرور الوقت وتكيفه مع هذه البيئة الفوضوية تحول إلى إنسان فوضوي وتناسى ما ترعرع عليه، إنه التحول في الشخصية الذي سببه ما يسمى بالتكيف. في الفيلم الكارتوني "طرزان" الذي ناقش قضية تكيف الإنسان مع البيئة الموجود بها، فالطفل البشري الذي ربته القرود تحول إلى قرد مثلهم، ليس في شكلهم أو أجسادهم ولكن في طباعه وكلامه ولغته وطريقة تناوله للطعام، حتى طريقة سيره وقفزه، وقرب نهاية الفيلم أيضاً وعندما جاء البروفسير وابنته إلى الجزيرة، علمته الكتابة والقراءة وطريقة مشي البشريين، وجعلته يرتدي الملابس الطبيعية للرجال، تكيف معها وأحب التعلم منها على الرغم من احتفاظه لمهاراته أيضاً، ولكنه أحب ما أضحى عليه، وعلى الرغم أنها قصة خيالية إلا أنها أكدت بشكل غير مباشر على أن الإنسان الكائن الوحيد القادر على التكيف مع أي بيئة يوجد بها، وأنه يحب اكتشاف المجهول وتعلم كل ما هو جديد. فالفرد دائماً ما يحتاج للإلزام والضبط، لأن الإنسان لا يجب أن تتركه دون رادع، فحينها سيتصرف كل منا بهمجية ودون وعي، وهذا ما أود قوله عندما يولد العربي في مجتمعات لا يحكمها النظام، وهو يعلم أنه لكي يحصل على حقه أو مراده يجب عليه اتباع الفوضى لأنه الطريق الأسهل، فيصبح حينها فوضوياً لأنه تكيف مع البيئة التي وجد بها، ولكن إذا غيرت له هذه البيئة الفوضوية يصبح إنساناً في قمة النظام، لأن الإنسان على الرغم من فوضويته يحب أن يكون في بيئة يحكمها النظام. وليس معنى ما ذُكر سابقاً أن المجتمعات الأوروبية أو الغربية يحكمها النظام بنسبة 100 % ولكنها تطبقه بنسبة كبيرة، ورغم ذلك تحدث بعض التجاوزات والتمييز العنصري المتعلق باللون أو الدين، لذلك فالفوضوية أو الهمجية غير مرتبطة بجنسية أو ديانة أو لون، وإنما ترتبط بالبيئة التي يوجد بها الفرد، والفوضوية توجد بداخل كل إنسان وتنتظر الفرصة المناسبة لخروجها، لذلك أرى أنه يجب أن نتعامل بتطبيق القواعد واللوائح بحذافيرها، والبعد عن الواسطة والمحسوبية، ففي دنيا البشر تطبيق القوانين الوضعية أهم، فكلما اقترب الامتحان خشي المرء مرارة الرسوب.