ربما يكون الأمر مصادفة بحتة أن تعرض فضائية عربية متخصصة، في اليوم العالمي لإعلان حقوق الإنسان فيلم"كوكب القرود"، النسخة المحققة في ستينات القرن الماضي، والتي أثارت جدلاً واسعاً حينها. نقول ربما يكون الأمر محض مصادفة، ولكنه في مطلق الأحوال أمر يستحق الوقوف عنده وتأمله من زاوية واحدة قد"لا يحبذها"هذا الإنسان المعني بحقوقه أكثر من المخلوقات الأخرى الموجودة معه على سطح الكوكب، أو كما يفترض الفيلم بوجودها على كواكب أخرى، فهو يتحول في"كوكب القرود"الى مادة للتأمل والدراسة من جانب نخبة القرود لناحية نزعاته المتوحشة وغير النبيلة التي تقضي بضرورة التخلص منه لأنه يقوم على الاستهلاك المتوحش للموارد والنفائس الخام، ولأن"قيامه بأفعال حيوانية يجعله أسوأ من الحيوانات نفسها"، والأهم من كل ذلك كما يحكم الدكتور - القرد زيوس أنه غير قابل للتمدن واستيعابه حضارة القرود المتطورة بطيء جداً...! في اليوم العالمي لحقوق الإنسان يصدف أن تمر على شاشات الكثير من الفضائيات العربية صور مختلفة، بعضها يشرق في واد، وبعضها الآخر يغرب في آخر. ولكن ما من شك تظل صور حصار قطاع غزة الأكثر التصاقاً بهذه الذكرى. فما تقوم به إسرائيل في الذكرى الستين لإعلان حقوق الإنسان، وهو عمر هذه الدولة العنصرية نفسه، يكشف على الملأ كم أن هذا الإعلان مفرغ من محتواه. فالنفاق العالمي من حول مأساة أهل القطاع على أشده، وربما لم يعتور الضمير الإنساني نفاق أشد. ففيما يعلن أحد مفوضي الأممالمتحدة أن حصار قطاع غزة هو جريمة حرب بكل المقاييس، يقوم آخر، وهو نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالتنصل من الإجابة عن سؤال مباشر لمذيعة فضائية عربية حول ما إذا كان حصار القطاع جريمة حرب، إذ يصر وببلاهة كاملة على ترديد كلام ببغائي حول ضرورة وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل ورفض"مسايرة"زميله بوصف الحصار جريمة حرب. ربما يتعين على هذا النائب الأممي أن يشاهد الفيلم، ففيه تذكير بمآل هذا الإنسان الذي وضع إعلاناً يستريح فيه من الحروب وصخبها ويحفظ حقوقه وحقوق بني الإنسان كافة من دون تمييز. نعم يتعين عليه مشاهدته وربما أكثر من مرة، فربما يمتلك بعض الشجاعة التي ذهب إليها مخرج الفيلم نفسه قبل حوالى خمسين عاماً ليذكر أن بعض البشر تحولوا الى وحوش تعجز المخلوقات الأخرى عن تفسير سلوكها، إذ يكفي هذا الإنسان اليوم أن يضع يده على قلبه ويتنفس في الصباح ما إن يستيقظ من نومه الهانئ واللذيذ حتى يكتشف أن حصار قطاع غزة هو أسوأ من جرائم الحرب التي يعرفها هؤلاء الآدميون في إعلان من وضع أيديهم، وهذا ربما يراد له تعريف آخر لا مجال لذكره الآن...! نشر في العدد: 16691 ت.م: 15-12-2008 ص: 30 ط: الرياض