مقولة قرأتها في إحدى الروايات، للوهلة الأولى تظن أنها جملة عامة ولا تحمل أي معنى خاص، بالفعل الكل عليه أن يبدأ من مكان ما، ولكن ما هو المكان الذي تبدأ منه؟ عليك اختيار نقطة البداية والتي لا شك أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنوعية أو ماهية هدفك، فبناء على الهدف تتحدد البداية ومكانها الذي يلائمها، ليست أي بداية، وهنا أتحدث عن أي هدف كان مادياً أم معنوياً، هناك العديد من الدروب في الحياة منها السهلة وأغلبها الوعرة، وهناك من يزعم أنه عليك اختيار الوعرة وتحمل الصعاب لما في ذلك من لذة بعد الوصول، أو كما يدعي البعض لما يشير ذلك أو يدل على أنك شخص حمول ذو جلد قادر على اجتياز الصعاب، ومن المقولات التحفيزية إنه "لا مكاسب من دون ألم"، وهذا ما يطلقه العديد من رواد التنمية البشرية ليحفزوا أتباعهم على التحمل وما إلى آخر ذلك من الأقوال. ولكن وعلى أرض الواقع دائماً هناك طريقان للوصول أو عدة طرق منهم الأسهل، فلم لا نختار السهل لتحقيق هدف معين، لم التعقيد، إن اختيارنا للطرق السهلة البسيطة يساعدنا على تحقيق أهداف أكثر، كما يساعدنا على الاستمتاع برحلة الحياة بدلاً من المعاناة والمشقة حين نسلك الطرق الوعرة. لماذا علينا أن نسلك طرقاً ونحن محملين بالأعباء التي تثقل كواهلنا، وإذا كانت بعض الأهداف تحتاج إلى خوض معارك وطرق وعرة فهل تلك الأهداف تستحق كل هذا العناء؟!. ولعل أقرب الأمثلة على ما أقصده، الأفلام الوثائقية عن متسلقي جبال إيفرست، ونرى المآسي والأهوال التي يلاقيها أولئك المتسلقون لبلوغ قمة الجبل، منهم من يفقد حياته قبل الوصول للقمة، ومنهم من يصاب إصابات بالغة تظل معه لبقية حياته، ومن يصل منهم إلى القمة لا يساعده ذلك في حياته إلا من بعض الشهرة أو نشوة وقتية وربما بعض الأموال، فهل ذلك يستحق المجازفة بالحياة، إن بلوغ قمة الجبل يمكن أن يتحقق بطرق أخرى سهلة وبسيطة وذات معدلات أمان عالية، بل وباستخدامها تجعلك مستمتعاً بقمة الجبل ذاتها من دون أن تكون مستنزفاً مستهلكاً، أم هو الملل والوحدة اللذان يدفعان البعض إلى محاولة إثبات الذات، ولماذا إثبات الذات؟ ولمن؟!. لماذا لا نشتغل بالمتاح ونبدأ بالسهل، ففي النهاية الكل يصل إلى مبتغاه عاجلاً أم آجلاً مهما كانت الطرق، ولكن هناك من يصل مستمتعاً، وهناك من يصل مستهلكاً مستنزفاً كما ذكرت، فأيهما أفضل؟. هل كل إنسان اختار تحديداً من أين يبدأ؟ أم حاجتنا لأن نبدأ أي شيء تجعلنا لا نهتم من أين نبدأ؟ وهل يمكن للمرء أن يقطع الطريق ويتخلى عن المسافة التي اجتازها ليسلك طريقاً آخر يحبه؟ هذه الأسئلة وغيرها ليست لها إجابات محددة، بل يمكن أن يكون لكل منها العديد من الإجابات. أعتقد أنه قبل أن نبدأ علينا اختيار ما نحب بالفعل، وما نرغب فيه حقاً، وما يعود علينا بالمنفعة الحقيقية وليس منافع مزيفة لمجرد أن نثبت للعالم أو لمن حولنا أننا نستطيع. وفي النهاية رسالة لكل من بدأ من مكان لا يحبه وسلك دروباً وعرة تنهكه، استمتعوا بالحياة فقط فهي أبسط مما تظنون. يمكن للجميع أن يبدأ من جديد، عليكم اختيار البداية فقط، وتأكدوا أنه لم يفت الأوان بعد.