عندما تم اختيار فيلم "إفرست-Everest" لافتتاح مهرجان البندقية، كانت التوقعات عالية بأن يكون أحد أهم أفلام السنة، فقد كان لفيلمي الافتتاح في العامين الماضيين، وهما "جاذبية" عام 2013 ثم "بيردمان" عام 2014، حصة الأسد من جوائز الأوسكار. لكن الفيلم لم يلق، بعد عرضه، الثناء النقدي المتوقع، وظل الأمل أن يلفت الأنظار بعد عرضه في أماكن أخرى كما فعل فيلم "بيردمان" لكن هذا لم يحدث أيضاً. وعلى الرغم من أن "إفرست" لن يكون على الأغلب في قائمة أفضل أفلام العام، إلا أنه استحق أن يكون فيلم افتتاح لمهرجان كبير، نظراً لتميزه في جوانب عديدة. بداية، يمكن القول بأن صناع الفيلم قد أصابوا في اختيار اسم "إفرست" عنواناً له، فالفيلم، الذي كتب له السيناريو سيمون بيوفوي -الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلم Slumdog Millionaire- ووليم نيكولسون -الذي ترشح مرتين لأوسكار أفضل سيناريو عن فيلم Gladiator وفيلم Shadow Lands-، يستمد أحداثه من وقائع كارثة الرحلتين الاستكشافيتين اللتين قامت بهما شركتان سياحيتان لقمة إفرست عام 1996، ويبدو فيه الجبل الذي سمي باسم مكتشفه الإنجليزي جورج إفرست شاهقاً ووعراً ومخيفاً، تكسوه ثلوج تنهار بسهولة لتطمس معالم من يتواجد عليه، ويحوي قمماً تستلزم من متسلقيه عبور جسور خشبية معلقة في الهواء على ارتفاعات عالية للانتقال من واحدة إلى أخرى. تبدأ الأحداث بالتسلسل الزمني الطبيعي للقصة، حيث نشاهد أولاً استعداد النيوزيلندي روب هال -قام بدوره الممثل الأسترالي جيسون كلارك- قائد الفريق السياحي لشركة أدفينتشر كونصالتنتس لمغاردة نيوزيلندا للذهاب إلى نيبال ولقاء مجموعة من متسلقي الجبال لمرافقتهم من هناك إلى قمة الجبل وتدريبهم بشكل تدريجي للاستعداد لمخاطر الرحلة في عدة معسكرات متنقلة أثناء الصعود. يودع هال زوجته جان -كيرا نايتلي- التي اعتادت أن ترافقه في هذه الرحلات، لكنها لن تفعل هذه المرة لأنها حامل. تصاحب هال في الرحلة مساعدته هيلين ويلتون -ايميلي واتسون-، يصل هال إلى نيبال، ويبدأ في التعرف على بعض المتسلقين عن قرب ومنهم الصحفي جون كراكور ومتسلقة الجبال اليابانية ياسوكو نامبا وبيك ويذرز -جوش برولين- الطبيب القادم من تكساس وساعي البريد دوج هانسون. يعقد ويذرز وهانسون صداقة أثناء الرحلة حيث يجمعهم الحماس الكبير لصعود القمة رغم أن هال يوضح منذ البداية بأن هناك الكثير من الألم وأنهم يتحدون الطبيعة، لأن الارتفاع الهائل للجبل يسبب قلة الأكسجين مما قد يؤثر على وظائف الجسم وهو أشبه بالموت البطيء. جاك جلينهال يواجه الطبيعة في «إفرست» نشاهد معسكر فريق أدفينشر مجهزا بشكل جيد ويقدم خدمات طبية وإرشادات صحية ممتازة. يلتقي فريق هال أثناء إقامة معسكرهم بفريق سياحي آخر لشركة ماوينتين مادنيس، يقودهم سكوت فيشر -جاك جالينهال- المنافس الأكبر لروب هال. ويوجد مع كل قائد فريق مساعدين، فهناك آندي هاريس الذي يساعد روب هال في مرافقة السياح، كما نشاهد المتسلق الروسي الشهير أناتولي بوكريف -الممثل الآيسلندي اينجكفار ايكيرت سييرشسون- وهو يعاون فيشر في إعداد المتسلقين ومساعدتهم أثناء الصعود. تتطور الأحداث مع بدء التسلق بشكل متصاعد حتى النهاية التراجيدية. وقد استطاعت كاميرا المصور السينمائي الأميركي سالفاتور توتينو أن توضح المهمة العسيرة على المتسلقين، فالطريقة التي تم فيها تصوير الجبل والمناطق الشاسعة التي يغطيها الثلج والارتفاع الشاهق له خلقت من المكان شخصية أساسية في الفيلم، والواقع أن الصراع في حقيقته هو بين الجبل والمتسلقين. كما كان الفيلم حافلاً بجماليات بصرية عالية وبألوان زاهية عندما كانت الأحداث مشوبة بترقب فرح ثم بهتت بشكل أكبر مع العواصف الثلجية لتبدو فيما بعد قاتمة ومحزنة. ومن حسن الحظ أن الفيلم يعرض في دور السينما بتقنية العرض ثلاثي الأبعاد لأنه يعتمد بشكل كامل على عرض معاناة المتسلقين والأهوال التي تعرضوا لها. وقد تم تصوير الفيلم في إيطاليا وآيسلندا ونيبال، كما تم تصوير بعض المشاهد في استوديوهات بينوود. أما سرد الأحداث في الفيلم فقد اعتمد السرد التقليدي، وكان أشبه بالتوثيق للرحلة، وقد اعتمد إلى حد كبير على ما ذكره الصحفي والكاتب الأميركي جون كراكور الحاضر في الفيلم كأحد الشخصيات الرئيسية، وكان كراكور، مؤلف كتاب "Into The Wild" والذي تم إنتاجه كفيلم عام 2007، قد رافق حملة روب هال السياحية للكتابة عن الرحلة لمجلة "أوتسايد"، ثم كتب مذكراته عن الرحلة في كتاب بعنوان "Into Thin Air"، وقد تم اقتباس هذا الكتاب في فيلم تلفزيوني يحمل نفس الاسم عام 1997، أي بعد عام من الحادثة. ويمكن القول أن تميز الفيلم يكمن بشكل أساسي في جماليات التصوير والاحترافية في الجوانب الفنية الأخرى وخاصة المؤثرات البصرية وعلى إجادة الممثل والمخرج الآيسلندي بالتسار كورماكور لإدارة ممثليه، فقد أدوا بشكل مقنع جداً يجعل من يشاهد الفيلم يفكر مرات عديدة قبل الإقبال على تسلق الجبال وخاصة إن كان الهدف هو جبل إفرست.