كان صاحبنا شاعراً فناناً، وفارساً مغواراً، وطفلاً مدللاً، وعربياً قحاً، ونسوياً فجاً، وابناً عاقاً، وملكاً بلا مملكة، وقائداً بلا جيش، وصاحب تاريخ ممزق، ووعي مبعثر، ولا وعياً فردياً مشتتاً، ولا وعياً جماعياً مفترقاً؛ نحن أمام قصة تحكي لنا آلام الإنسان. كان والده يريده ملكًا لا شاعرًا، وكان هو يريد أن يصبح شاعرًا، وكان قومه يسيؤون له ولم يقفوا معه في ثأره كما أراد، وكان هو يريد من قومه أن يكونوا معه، وحاول أن يخفف آلام طفولته عبر تعدد النساء وكثرة الزواج والطلاق، ومال إلى النمط الحسي الذي يهتم بالتفاصيل حد المبالغة في وصفها، ويفكر بالموت هربًا من الواقع المرير الذي عاش فيه. صاحبنا اضطربت علاقته مع والده حتى كان يكرهه ويحبه في آن واحد، كرهه في حياته واتهمه بتضييعه ومنعه من تحقيق رغباته وطموحاته، وظهر حبه له بعد مقتله، لكن هل كان فعلاً يحبه أم هذا بسبب الصدمة التي تعرض لها من مقتل والده ثم هروب صاحبنا من المعركة وفراره من الموت، ومعضلة الصدمة أن نتائجها غير معروفة وتبقى غامضة وهو ما اتضح لاحقا من تغير حياته حتى انقلب رأسًا على عقب. كان صاحبنا مرهف الحس شديد الرغبة في تغيير واقعه، فلم يقنع بأن يكون في بيت ملك يُجرده حياته الشخصية، فبقي حريصاً على تكثيف علاقاته الاجتماعية التي يختارها ولا يُجبر عليها، ولعل المرأة أكثر ظهوراً في هذه الكثافة التواصلية؛ هل هذا بسبب تعلقه بأمه؟! وكان حريصاً على التجسيد فيبعث لليل أشجانه وهمومه كي يجد من يشترك معه في التفكير وطرد السلبية، لكنه ما يفتأ يعود أدراجه فيتحدث عن النساء اللاتي خاض معهن تمرداته على الوعي الجمعي. صاحبنا يحتاج وقفات كثيرة، ماسبق كان شذرة لدخول عالمه بأداة تفكير قد تبدو مختلفة عن السائد العام.