قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كانت نجد تزخر بنهضة علمية قوية وبالعلماء وطلبة العلم أيضاً، كذلك حلقات الدروس والتحصيل منتشرة، والرحلة في طلب العلم مستمرة إلى الشام ومصر والعراق، ومن هؤلاء الأعلام الشوامخ الذين أنجتبهم نجد أحمد بن يحيى بن عطوة، المتوفى في بلدة الجبيلة، والفقيه المحقق عثمان بن قايد، والشيخ الشهير سليمان بن مشرف، كذلك هناك مؤرخون كتبوا في نجد نبذاً موجزة كابن ربيعة، وابن عباد، وابن بسام القاضي، ويأتي العلامة أحمد بن محمد المنقور في مقدمة هؤلاء الكوكبة النجدية الذي تخرّج في المدرسة النجدية، فهو من علماء آخر القرن الحادي عشر الهجري والثلث الأول من القرن الثاني عشر الهجري، ولم تكن له رحلة خارج نجد إنما كانت داخلها، حيث لم يتركها إلاّ لأداء الحج وزيارة المدينةالمنورة، لكنه جد واجتهد فأصبح ذا جد وحظوة علمية وله مكانة قوية في الفقه الحنبلي النجدي في القرون المتأخرة. هو أحمد بن محمد بن حمد بن حمد بن محمد المنقور كما ذكر الباحث عبدالله العسكر في مقالة له في جريدة الرياض بتاريخ 14 /11/ 1426ه، وهي مقالة عن وثيقة قديمة نادرة أجّر فيه الشيخ المنقور كتاب الإقناع الجزء الثاني والثالث على أحد طلبة العلم عشرين عاماً. وُلد أحمد المنقور بتاريخ الثاني عشر من ربيع الأول عام 1067ه في حوطة سدير، نشأ في قريته هذه وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، ولا تسعفنا المصادر والمراجع عن من تعلم منهم وأخذ عنهم في الكتاتيب وهو لم يذكر هذا في تاريخه. حسن تصرف وقصد أحمد المنقور -رحمه الله- الرياض لطلب العلم، وكان بها العالم الفقيه الحنبلي عبدالله بن محمد بن ذهلان -رحمه الله- الذي اشتهر علمه وطار ذكره وبعد صيته في الأجواء العلمية النجدية، ولو لم يكن ابن ذهلان عالماً حنبلياً متمكناً من المذهب ومحققاً فيه لما رحل إليه المنقور خمس مرات، ولم يكرر هذه السفرات إليه لإشباع جوعه العلمي، لهذا لازم هذا العالم الصالح، وأصبح المنقور ناشر علم شيخه في كتابه الذي سوف يؤلفه فيما بعد، وهو كتاب (الفواكه)، ولولا المنقور وتدوينه لعلم شيخه ابن ذهلان لضاع هذا العلم، فجزاه الله خيراً فقد خلق علماً نافعاً. يقول د. عبدالعزيز الخويطر في مقدمة تحقيق لتاريخ المنقور: «لم تكن رحلاته للحج وزيارة المدينة هي الوحيدة إلى خارج سدير، فقد رحل إلى الرياض لطلب العلم على يد الشيخ عبدالله بن محمد بن ذهلان قاضيها، قرأ عليه متن الاقناع وقد ذكر في تاريخه أنه قرأ عليه خمس مرات، وعين تواريخها، واجتمع له مع ذكائه الفطري حسن تصرف في طريقة الدراسة، ساعدته على استيعاب ما يدرس واستعادته، وأن تكون عنده حصيلة علمية اتسمت بشخصيته، وأوجدت له مقاماً مرموقاً في مجتمعه وفي مجتمع علماء نجد حتى اليوم، وذلك أنه كان لا يقيد شيئاً ولا يشغل وقته في أثناء الدرس إلاّ بالاستماع إلى أستاذه ثم يبادر فور انتهاء الدرس إلى تسجيل ما سمع، ولم تكن المداومة على هذا النهج واتقانه بالأمر السهل، لكن أحمد المنقور -رحمه الله- كان صاحب ميزة نفعته ونصحت من ورائه»، -انتهى من مقدمة كتاب د. عبدالعزيز الخويطر لتحقيقه لتاريخ المنقور-. طلب العلم وعن تواريخ رحلاته إلى الرياض لطلب العلم فقد ذكرها المنقور في تاريخه، وهذا أفادنا بهذا التقييد لهذه الرحلات، وأن تكرار الرحلة إلى شيخه ابن ذهلان هل هو لمجرد أشغال اضطرته للعودة إلى بلدة حوطة سدير أو التزامات أجبرته على العودة؛ لأن الغالب في طلب العلم والرحلة إليه لا سيما في ذاك الزمن زمن القلاقل والفتن وعدم أمن الطرق، حيث تكون الرحلات في طلب العلم مرة واحدة ينهل منها طالب العلم من المشايخ والذين رحل من أجلهم وليست كالتجارة أو الحج أو العمرة متكررة. وقال أحمد المنقور -رحمه الله- عن رحلاته للعلم ودراسته على ابن ذهلان: «وفي سنة أربع وتسعين وألف كانت قراءتي الأولى على الشيخ عبدالله بن ذهلان بحضور عبدالرحمن بن بليهد وابن ربيعة» -تاريخ المنقور-، يعني أنه قرأ ودرس وعمر المنقور سبعة وعشرون عاماً، ويكمل: «وفي سنة ألف وخمس وتسعين كانت قراءتي الثانية -يقصد على شيخه ابن ذهلان-، وفي سنة ست وتسعين وألف كانت حجتي الرابعة وزيارتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قراءتي على الشيخ بعد قدومي من الحج بحضور محمد بن صالح...إلخ، ثم عام ثمانية وتسعين وألف قراءتي الرابعة على الشيخ ابن ذهلان، وبعدها الدراسة الأخيرة والخاتمة الحميدة الدراسة الخامسة على شيخه عام تسعة وتسعين وألف للهجرة». صبر وتحمل رحمة الله على أحمد المنقور، على ما كان من طول صبره وجلده وتحمله أعباء السفر والتنقل لأجل طلب العلم خمس مرات يتردد فيها على شيخه ابن ذهلان ذهاباً وإياباً من حوطة سدير إلى الرياض والعكس، هذا مع حجته الأولى وأداء فريضة الإسلام وتكرار الحج رغبةً في ثواب الحج الذي قال عنه سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-: «والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة»، هذا مع جهاده في طلب العلم وسلوك هذا الطريق من أفضل الأعمال، ونرجو من الله أن تكون حججه من الحج المبرور فهو رجل فقيه وعالم سوف يطبق السنة في حججه مقتدياً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم». وحج المنقور ثلاث سنوات متتاليات، أولها حجة الفريضة عام 1091ه، ثم عام 1092ه، ثم عام 1093ه، يليها بعد ثلاث سنوات عام 1096ه، وقد حفظه الله -عز وجل- من قطاع الطرق ولصوص الحجاج آنذاك، وليته فصّل في رحلاته وذكر مشاهداته وبمن التقى من العلماء في الحرمين أو غيرهما سواء الحنابلة أو غيرهم في تاريخه أو الأصح نبذته، فهو قادر على التفصيل والبسط، وكذلك رحلاته في طلب العلم، وتفاصيل أخرى عن الوقائع التاريخية التي حدثت في نجد التي سردها في نبذته. كتاب الإقناع والكتاب الذي درسه أحمد المنقور -رحمه الله- على شيخه ابن ذهلان هو كتاب (الإقناع) للفقيه الشامي أحمد الحجاوي، يقول المنقور في كتابه الموسوعي (الفواكه العديدة) في المقدمة: «وكنت وقت قراءتي على الشيخ المذكور في الإقناع اسمع منه تقريراً أو تحريراً، فإذا قمت من المجلس كتبته لئلا يختلف علي بعض الكلام فيما يأتي من الأيام والأعوام» -انتهى-، وهذه التقريرات النفيسة التي نقلها المنقور عن شيخه ابن ذهلان بثها في كتابه (الفواكه العديدة)، وهذا ما امتاز به هذا الكتاب البديع فضلاً عن المزايا الأخرى، ومنها ذكره لبضع الوثائق النادرة النجدية. ونقل الشيخ صالح بن عثيمين في كتابه (تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة نقلاً عن السحب الوابلة)، واجتهد -المنقور- مع الورع والقناعة والصبر على الفقر والعيال، وكان يتعيّش من الزراعة ويقاسي فيها مع حرصه على الدروس في غير قريته، ومهر في الفقه فقط مهارة تامة، وصنف تصانيف حسنة منها بل أعظمها مجموعه الفقهي المشهور بلقبه، والجامع لغرائب الفوائد والمنقولات الجليلة من الكتب الغريبة، ومنها مناسك الحج وغيرهما، وله جوابات عن مسائل فقيه مسددة، وكتب كثيراً، وأمّا قوله: «إنه عانى الفقر»، هذا في أول حياته، لكنه تيسرت أموره وفتح الله عليه. تدوين الأحداث وترجم لأحمد المنقور -رحمه الله- المؤرخ عثمان بن بشر في كتابه (عنوان المجد) وقال: «هو الشيخ الفقيه المشهور»، ثم قال: «وكان فقيهاً وله دراية»، وقال الشيخ الموسوعي محمد بن مانع والمصنف -رحمه الله- بالثقة: «المشايخ النجديين يعولون على نقل أحمد المنقور ويعتمدون عليه مقدمة كتاب (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة)، والشيخ ابن مانع له الفضل في نشر هذا الكتاب القيم النافع النفيس، وكم لابن مانع أيادٍ بيضاء في نشر التراث الفقهي الحنبلي، والشيخ ابن مانع علق تعليقات على كتاب الفواكه هذا كما هو دأبه في بعض المؤلفات التي تنشر بمشورته». وقال عبدالله البسام في تعريفه بأحمد المنقور حينما ذكر مؤلفاته قال: «كتابه (المجموع) المشهور باسم مجموع المنقور، وقد طبع باسم الفوائد والمسائل المفيدة، والمطلع على هذا المجموعة يأخذه العجب من كثرة ما اطلع عليه المترجم من الكتب والمجاميع والرسائل والمسائل» -علماء نجد خلال ثمانية قرون-. وذكر حمد الجاسر وهو يتحدث عن كتاب (التاريخ) أن الشيخ أحمد من فقهاء أهل نجد ومن أوائل من عني بتدوين الحوادث المتعلقة بنجد، وقد سجل ما سجل بلغة أقرب إلى اللغة العامية، ثم قال: «وعني أكثر ما عني بما يتعلق بحياته الخاصة، وقد سجل في مذكراته أو في تاريخه إذا ما تجاوزنا في القول حوادث بين 1044ه و1123ه» -انتهى- (معجم المطبوعات في المملكة العربية السعودية لعلي جواد الطاهر)، وكتابه (التاريخ) حققه ونشره د. عبدالعزيز الخويطر وطبع عام 1390ه، وترجم له العلامة خير الدين الزركلي في موسوعته الأعلام، قائلاً: «فقيه حنبلي له اشتغال بالتاريخ من أهل حوطة سدير». نوادر علمية وكتاب (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) لأحمد المنقور -رحمه الله- ضخم وزاخر بالفوائد والفرائد والنوادر العلمية، ومن المنقولات الفقهية والأصولية، ومن المسائل الفقهية المحررة الدقيقة التي كتبها وهو كشكول فقهي إن صح التعبير، والأهم من ذلك التعليقات التي نقلها المنقور من كلام شيخه ابن ذهلان مثال ذلك ما ذكره في آخر كتابه من المسائل التي وقع فيها إشكال وقت القراءة على شيخه ابن ذهلان أراد ضبطها لئلا يتوهم شيئاً منها، أو يقيض الله من يجليها أو يعثر على صريح منها وهي 158 مسألة، وغيرها من المسائل التي نشرها في كتابه والتقريرات التي سمعها من شيخه. وكتاب (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) اختصره محمد بن سلوم، كما ذكره في ترجمته، وابن سلوم اختصر عدد من الكتب، واختصره كذلك عبدالله العنقري. فهم وتبصر وللشيخ أحمد المنقور -رحمه الله- ابن اسمه إبراهيم من طلاب العلم، ترجم له الشيخ عبدالله البسام في كتابه (علماء نجد)، وله عناية بكتاب والده (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) حيث رأى البسام نسخة بخط المؤلف وعليها خطوط حمراء جانبية على كل مسألة، وعمل إبراهيم المنقور وإشاراته توضح المسائل وتحدد معناها، وهو عمل يدل على فهم وتبصر وحسن تأمل، وتمنى البسام أنه لو طبع الكتاب على هذه النسخة لكان الكتاب فيه فائدة تامة بتصرف يسير من كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون)، والشيخ المنقور له كتاب (جامع المناسك) وطبع أيضاً. وأخبرني عبدالعزيز بن عبدالعزيز المنقور قبل سنوات من وفاته أنه له نية في طباعة كتاب (جامع المناسك) وهو قد طبع كتاب (الفواكه العديدة) على نفقته عام 1402ه -رحمه الله-. وعاش أحمد المنقور ثمانية وخمسين عاماً، قضى هذا العمر في طلب العلم وتدريسه ونفع مجتمعه في سدير، ولا شك أن أهل قريته -حوطة سدير- قد انتفعوا بعلمه واستفادوا منه، وفي 1125ه توفي هذا العالم في بلدته، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وُلد أحمد المنقور في حوطة سدير محمد بن مانع كان له الفضل في نشر كتاب الفواكه العديدة للمنقور جامع المناسك من تأليف المنقور أيضاً وثيقة نادرة تبيّن أن المنقور أجّر كتاباً زودنا بالصورة الباحث د. صالح القريري كتاب الفواكه العديدة في المسائل المفيدة من تأليف أحمد المنقور