للشعر لغته وبيانه الروحي والإنساني ووهجه المقيم في الذاكرة والوجدان وللغة الشعرية سحرها العميق في النفس إذ إنها تحمل مدلولات الذات بصيغ مختلفة تتراوح بين الروحي والذاتي وتهيئ الوجدان لتقبل الأحاسيس والشعور وتمازج بين طبيعة الكائن الحي بحيث تصيّر مرهفات الشجون إلى تناغم إيحائي في الروح وللشاعر لغته الخاصة به التي تجعل من شجوه مساحة بالغة التأثير في النفس والمدركات المهيأة بطبيعتها لاستيعاب الفيض والمدد الإيحائي الآتي من الروح ومن الإلهام المنزل من ملكوت الشعور وعلى ذلك يتميز الشعراء عن بعضهم البعض بما تمليه حفيظة المدركات الروحية من وجدانات مغيبة تقيم مع الذات والروح ألقها الخلقي المنهمر من سماوات عذبة بديعة. ولا يتأتى لشاعر من الشعراء أن يؤثر ما لم يكن قد استقطب لغته الذاتية الخاصة به والمؤثرة في النفس والوجدان والمهيأة لاستدراج حفيظة النفس إلى أعماق الروح بينما تظل لغة الشاعر هي التي تستجلي المدركات وتومئ بالشعور الروحي العميق وتؤثر وبقوة بمدلولاتها في خبايا النفس والروح. ولعلي أقف اليوم مع شاعر خبر اللغة واستجلى حقائق الشعور المبهمة وراوح فنه بين يقين المعرفة والتصور لطبيعة اللغة وللأحاسيس المحملة بدلالاتها في الذاكرة والروح هو الشاعر الكبير الأستاذ أحمد حلواني أو كما يسميه الكثير من الأدباء في المملكة بمتنبي العصر ذلك أن لغته الشعرية تجاوزت بمدها الإيحائي مسافات شاسعة وبليغة من المعرفة حاملة تجليات الذات والروح إلى آفاق واسعة من التعبير الشعوري اليقيني الذي لا يتأتى إلا لقلة نادرة وقليلة من الشعراء المتمكنين لغةً وحدساً وإحساساً وشعوراً وائتلافاً روحياً مع المدركات عميقة الفهم المنطبعة في ذاكرة المتلقي انطباع الروح بالجسد. فللشاعر أحمد حلواني فنه الشعري البليغ وله قوة تأثير خاصة بما يتمتع به من سمو إدراكي وشعوري بالحياة وطبائع الذات والنفس إذ يمثل ببلاغته الشعرية مدرسة قائمة بخصوصيتها من مدارس الشعر العربي الفصيح ولا غرو إن أطلق عليه أدباء المملكة بمتنبي العصر نظرا لقوة مثول لغته الروحية في الإدراكات والمواجيد الذاتية ومشاعر النفس الإنسانية الشفيفة التي تؤلف بين الذات والروح مكانة فائقة المثول أمام وهج اللغة المتدفق من أعماق الشعور. فغالبا ما تشعرك قصائده ببريق مخفي في النفس وتدفق غائم على المواجيد يستشرف المتلقي من خلالها نبوغ الفكر وفيضان الشعور وتموج الأحاسيس والمدركات مع بعضها في أثير وجداني وروحي رفيع وبليغ التأثير في النفس والمدركات التصويرية التي تستقل بالمعنى المبهم وبالصور المرئية المكافئة للذات ففي كثير من قصائده يتجلى الحدس المفعم بالروح كحد فاصل بين التمثيل والتصور المستنكه للامرئيات من الأشياء إذ يأخذ لب المتلقي معه الى مسافات أرحب وآفاق أكثر إشراقا في الذات والبصيرة. ويتميز الشاعر أحمد حلواني بالتسريب المكافئ للشعور في بعض قصائده إذ تتجلى فيها الهيمنة الروحية والتعليل المنطقي لمشافهة الحدس بحيث يعتمد التصوير المشابه للروح كتمثيل محض للمدركات المقابلة للوعي إذ يكثف الدلالة المرئية بمنطوقه الميتافيزيقي للوجدان ويمد جسرا من الأطياف المرئية بين الشعور والإحساس ما جعل من قصائده غيوما متواكبة تهمي بشجاها على النفس تحيل المدركات الى يقين محض بأساليب رائعة بليغة يتناهى إليها فيض الشعور تساوق بين المنطقي المعقول وبين التمثيل الضمني للأشياء وله من الإمتاع الشعري ما يجعل الحدس مواكبا للضمنيات من المنطوقات بلغة سهلة ممتنعة تؤلف بين مد العاطفة الفياضة وبين الإحساس المفعم بروح المحبة فقوله في إحدى قصائده المعنونة ب(حسناء طنجة) يقول الشاعر أحمد حلواني حسناء طنجة يا أرض الجمال قفي بين الحنايا طعووووون بالسكاكين للعين منها ألوفٌ لم يزلْ دمُها يجري وجمرُ الهوى في القلب يكويني وللكواعبِ منها الضعفُ ما برأت تعاود القلب من حينٍ إلى حينِ لو كان للشوق يا حسناء محكمة لجئت أحمل في كفي براااااهيني فالشاعر يستقصي الإدراك بالجمال ويجس نبض الوعي من خلال مدركات تصويرية تساوق بين الضمني والمرئي من الأشياء بحدس مستنكه يتجه به لوعي المتلقي مباشرة ويحيل الضمنيات من المدارك إلى إيحاء لا مرئي في النفس يجعل من المحسوس لا محسوسا في الذات والمخيلة والإدراك ما شافه بمنطقه النبوغ العاطفي مشافهة رمزية تستحيل الى رؤى في الأعماق وهو هنا يشبه المطعون بالروح المتخيلة إذ يجعل من الذات إدراكا محضا للأشياء ويدغم المعمولات اللامرئية بإستشعارات ذاتية التكييف في الوعي المقابل. والشاعر أحمد حلواني يمتاز ببلاغته الشعرية ولغته القوية وتصويراته البليغة للمدركات الذاتية للروح إذ يتحسس المعنى من خلال الشعور ويذوب التناص الرمزي بين مدلولات القصيدة ومساراتها في الذات بمكافأة شعورية تنسجم ووقع الشجى الكامن في النفس كقوله البليغ والرائع أرومُ مطالعَ الجوزاءِ دوما ولي في كل شامخةٍ سنامُ أنام وملء أجفاني قصيدٌ وغيري للقصائدِ لا ينامُ وما زادَ المديحُ الشمسَ نوراً ولا نالت من البدرِ السهامُ فقل للائمين عليَّ صبراً وقل للحاسدين اليوم ناموا ولا يتسنى لنا في هذه الوقفة البسيطة أن نستشرف على تجربة الشاعر كاملة إنما ألمحنا إلى بعض ما يتميز به شعر الشاعر الكبير أحمد حلواني ولنا وقفة متأنية معه في دراسات قادمة إن شاء الله. أحمد حلواني